تفسير القرطبي (صفحة 3329)

تَأْوِيلِ قِرَاءَتِنَا، إِذْ لَيْسَ فِيهَا لِلدِّرْعِ ذِكْرٌ، الَّذِي تَتَابَعَتِ الْآثَارُ بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فِي غَرَقِ فِرْعَوْنَ، وَسَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَهُمْ إِيَّاهُ غَرِيقًا فَأَلْقَوْهُ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ بِبَدَنِهِ وَهُوَ دِرْعُهُ الَّتِي يَلْبَسُهَا فِي الْحُرُوبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: وَكَانَتْ دِرْعُهُ مِنْ لُؤْلُؤٍ مَنْظُومٍ. وَقِيلَ: مِنَ الذَّهَبِ وَكَانَ يُعْرَفُ بِهَا. وَقِيلَ: مِنْ حَدِيدٍ، قَالَهُ أَبُو صَخْرٍ: وَالْبَدَنُ الدِّرْعُ الْقَصِيرَةُ. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْأَعْشَى:

وَبَيْضَاءُ كَالنِّهْيِ مَوْضُونَةٌ ... لَهَا قَوْنَسٌ فَوْقَ جَيْبِ الْبَدَنْ (?)

وَأَنْشَدَ أَيْضًا لعمرو بن معد يكرب:

وَمَضَى نِسَاؤُهُمْ بِكُلِّ مُفَاضَةٍ ... جَدْلَاءَ سَابِغَةً وَبِالْأَبْدَانِ (?)

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبَغَاتٍ ... عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا

أَرَادَ بِالْأَبْدَانِ الدُّرُوعَ وَالْيَلَبَ الدُّرُوعَ الْيَمَانِيَّةَ، كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنَ الْجُلُودِ يُخْرَزُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، الْوَاحِدُ يَلَبَةٌ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

عَلَيْنَا الْبِيضُ وَالْيَلَبُ الْيَمَانِي ... وَأَسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا

وَقِيلَ" بِبَدَنِكَ" بِجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِدِرْعِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَعُوا إِلَى اللَّهِ يَسْأَلُونَهُ مُشَاهَدَةَ فِرْعَوْنَ غَرِيقًا أَبْرَزَهُ لَهُمْ فَرَأَوْا جَسَدًا لَا رُوحَ فِيهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا نَعَمْ! يَا مُوسَى هَذَا فِرْعَوْنُ وَقَدْ غَرِقَ، فَخَرَجَ الشَّكُّ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَابْتَلَعَ الْبَحْرُ فِرْعَوْنَ كَمَا كَانَ. فَعَلَى هَذَا" نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ" احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا- نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَالثَّانِي- نُظْهِرُ جَسَدَكَ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ" بِنِدَائِكَ" يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ النِّدَاءَ يُفَسَّرُ تَفْسِيرَيْنِ، أَحَدُهُمَا- نُلْقِيكَ بِصِيَاحِكَ بِكَلِمَةِ التَّوْبَةِ، وَقَوْلِكَ بَعْدَ أَنْ أُغْلِقَ بابها ومضى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015