كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ وَمَا أُحِبُّ (?) أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَتْ غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزا ها وَآذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحِيلِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالْأَمْرِ اسْتَنَارَ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمِنْ عند الله أم من عند ك؟ قَالَ: (بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ-" لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ"- حَتَّى بَلَغَ-" إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" قَالَ: وَفِينَا أُنْزِلَتْ أَيْضًا" اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة: 119] وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ التَّوْبَةِ الَّتِي تَابَهَا اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ التَّوْبَةُ عَلَى النَّبِيِّ لِأَجْلِ إِذْنِهِ لِلْمُنَافِقِينَ فِي الْقُعُودِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ:" عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ" [التوبة: 43] وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَيْلِ قُلُوبِ بَعْضِهِمْ إِلَى التخلف عنه. وقيل: توبة الله عليهم استنقاذ هم مِنْ شِدَّةِ الْعُسْرَةِ. وَقِيلَ: خَلَاصُهُمْ مِنْ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِهَا لِوُجُودِ مَعْنَى التَّوْبَةِ فِيهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: إِنَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبَ تَوْبَتِهِمْ ذُكِرَ مَعَهُمْ كَقَوْلِهِ:" فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ" (?) [الأنفال: 41]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) أَيْ فِي وَقْتِ الْعُسْرَةِ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَوْقَاتِ تِلْكَ الْغَزَاةِ وَلَمْ يُرِدْ سَاعَةً بِعَيْنِهَا. وَقِيلَ: سَاعَةُ الْعُسْرَةِ أَشَدُّ السَّاعَاتِ الَّتِي مَرَّتْ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ. وَالْعُسْرَةُ صُعُوبَةُ الْأَمْرِ. قَالَ جَابِرٌ: اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ عُسْرَةُ الظَّهْرِ وَعُسْرَةُ الزَّادِ