تفسير القرطبي (صفحة 3225)

وَسَلَّمَ: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا أَوَّاهَةٌ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْأَوَّاهَةُ؟ قَالَ: (الْخَاشِعَةُ). الْحَادِيَ عَشَرَ- أَنَّهُ الَّذِي إِذَا ذَكَرَ خَطَايَاهُ اسْتَغْفَرَ مِنْهَا قَالَهُ أَبُو أَيُّوبَ. الثَّانِيَ عَشَرَ- أَنَّهُ الْكَثِيرُ التَّأَوُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. الثَّالِثَ عَشَرَ- أنه المعلم «1» للخير قاله سعيد ابن جُبَيْرٍ. الرَّابِعَ عَشَرَ- أَنَّهُ الشَّفِيقُ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسَمَّى الْأَوَّاهُ لِشَفَقَتِهِ وَرَأْفَتِهِ. الْخَامِسَ عَشَرَ- أَنَّهُ الرَّاجِعُ عَنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَهُ عَطَاءٌ. وَأَصْلُهُ مِنَ التَّأَوُّهِ، وَهُوَ أَنْ يُسْمَعَ لِلصَّدْرِ صَوْتٌ مِنْ تنقس الصُّعَدَاءِ. قَالَ كَعْبٌ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ذَكَرَ النَّارَ تَأَوَّهَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُمْ عِنْدَ الشِّكَايَةِ أَوْهٍ مِنْ كَذَا (سَاكِنَةِ الْوَاوِ) إنما هو توجع. قال الشاعر:

فأوه لذكراها إِذَا مَا ذَكَرْتُهَا ... وَمِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنَا وَسَمَاءِ

وَرُبَّمَا قَلَبُوا الْوَاوَ أَلِفًا فَقَالُوا: آهِ مِنْ كَذَا. وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الْوَاوَ وَكَسَرُوهَا وَسَكَّنُوا الْهَاءَ فَقَالُوا: أَوِّهْ مِنْ كَذَا. وَرُبَّمَا حَذَفُوا مَعَ التَّشْدِيدِ الْهَاءَ فَقَالُوا: أَوِّ مِنْ كَذَا بِلَا مَدٍّ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَوَّهْ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْوَاوِ سَاكِنَةَ الْهَاءِ لِتَطْوِيلِ الصَّوْتِ بِالشِّكَايَةِ. وَرُبَّمَا أَدْخَلُوا فِيهَا التَّاءَ فَقَالُوا: أَوَّتَاهُ يُمَدُّ وَلَا يُمَدُّ. وَقَدْ أَوَّهَ الرَّجُلُ تَأْوِيهًا وَتَأَوَّهَ تَأَوُّهًا إِذَا قَالَ أَوَّهْ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْآهَةُ بِالْمَدِّ. قَالَ الْمُثَقَّبُ الْعَبْدِيُّ:

إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهَ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ

وَالْحَلِيمُ: الْكَثِيرُ الْحِلْمِ وَهُوَ الَّذِي يَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ وَيَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى. وَقِيلَ: الَّذِي لَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا فِي اللَّهِ وَلَمْ يَنْتَصِرْ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَلِكَ وَكَانَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي سُمِعَ وَجِيبُ «2» قلبه على ميلين.

[سورة التوبة (9): الآيات 115 الى 116]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015