مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، خُوطِبُوا بِأَلَّا يُوَالُوا الْآبَاءَ وَالْإِخْوَةَ فَيَكُونُوا لَهُمْ تَبَعًا فِي سُكْنَى بِلَادِ الْكُفْرِ." إِنِ اسْتَحَبُّوا" أَيْ أَحَبُّوا، كَمَا يُقَالُ: اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ. أَيْ لَا تُطِيعُوهُمْ وَلَا تَخُصُّوهُمْ. وَخَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْآبَاءَ وَالْإِخْوَةَ إِذْ لَا قَرَابَةَ أَقْرَبُ مِنْهَا. فَنَفَى الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ كَمَا نَفَاهَا بَيْنَ النَّاسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ" «1» [المائدة: 51] لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْقُرْبَ قُرْبُ الْأَدْيَانِ لَا قُرْبُ الْأَبْدَانِ. وَفِي مِثْلِهِ تُنْشِدُ الصُّوفِيَّةُ:
يَقُولُونَ لِي دَارُ الْأَحِبَّةِ قَدْ دَنَتْ ... وَأَنْتَ كَئِيبٌ إِنَّ ذَا لَعَجِيبُ
فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي دِيَارٌ قَرِيبَةٌ ... إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقُلُوبِ قَرِيبُ
فَكَمْ مِنْ بَعِيدِ الدَّارِ نَالَ مُرَادَهُ ... وَآخَرُ جَارُ الْجَنْبِ مَاتَ كَئِيبُ
وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَبْنَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذِ الْأَغْلَبُ مِنَ الْبَشَرِ أَنَّ الْأَبْنَاءَ هُمُ التَّبَعُ لِلْآبَاءِ. وَالْإِحْسَانُ وَالْهِبَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْوِلَايَةِ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أفأصلها؟ قال: (صلي أمك) خرجه البخاري. قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مُشْرِكٌ مِثْلُهُمْ لِأَنَّ مَنْ رضي بالشرك فهو مشرك.
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24)
لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأَبِيهِ وَالْأَبُ لِابْنِهِ وَالْأَخُ لِأَخِيهِ وَالرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْهِجْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَسَارَعَ