قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ تابُوا) أَيْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ. (فَإِخْوانُكُمْ) أَيْ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ (فِي الدِّينِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَرَّمَتْ هَذِهِ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: افْتَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَبَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الصَّلَاةَ إِلَّا بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَمَنْ لَمْ يُزَكِّ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ثَلَاثٍ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ أُطِيعُ اللَّهَ وَلَا أُطِيعُ الرَّسُولَ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:" أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" [النساء: 59] وَمَنْ قَالَ أُقِيمُ الصَّلَاةَ وَلَا أُوتِي الزَّكَاةَ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ" [البقرة: 43] وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شُكْرِ اللَّهِ وَشُكْرِ وَالِدَيْهِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ" [لقمان: 14] (. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) أَيْ نُبَيِّنُهَا. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) خَصَّهُمْ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا. وَاللَّهُ أعلم.
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الاولى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ نَكَثُوا) النَّكْثُ النَّقْضُ، وَأَصْلُهُ فِي كُلِّ مَا فُتِلَ ثُمَّ حُلَّ. فَهِيَ فِي الْأَيْمَانِ وَالْعُهُودِ مُسْتَعَارَةٌ. قَالَ:
وَإِنْ حَلَفَتْ لَا يَنْقُضُ النَّأْيُ عَهْدَهَا ... فَلَيْسَ لِمَخْضُوبِ الْبَنَانِ يَمِينُ
أَيْ عَهْدٌ. وَقَوْلُهُ: (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) أي بالاستنقاض وَالْحَرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُ. يُقَالُ: طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ وَطَعَنَ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ فِيهِ يَطْعَنُ، بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يَطْعُنُ بِالرُّمْحِ (بِالضَّمِّ) وَيَطْعَنُ بِالْقَوْلِ (بِالْفَتْحِ). وَهِيَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ