فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:" وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ". وهذا هو صحيح. وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ." الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ) " أَحَدٌ" مَرْفُوعٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ كَالَّذِي بَعْدَهُ. وَهَذَا حَسَنٌ فِي" إِنْ" وَقَبِيحٌ فِي أَخَوَاتِهَا. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ" إِنْ" وَأَخَوَاتِهَا، أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ حُرُوفِ الشَّرْطِ خُصَّتْ بِهَذَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: أَمَّا قَوْلُهُ- لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ- فَغَلَطٌ، لِأَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى (مَا) وَمُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وَلَكِنَّهَا مُبْهَمَةٌ، وَلَيْسَ كَذَا غير ها. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
لَا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ ... وَإِذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي «1»
الرَّابِعَةُ- قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَسْمُوعٌ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الأسفرايني وغير هم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ". فَنَصَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مَسْمُوعٌ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ لِكَلَامِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَوْ سُورَةً قَالُوا: سَمِعْنَا كَلَامَ اللَّهِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ شِعْرَ امْرِئِ الْقَيْسِ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ" «2» مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ بحرف ولا صوت، والحمد لله.
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)