تفسير القرطبي (صفحة 302)

[سورة البقرة (?): آية 34]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)

فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنا) أَيْ وَاذْكُرْ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنَّ" إِذْ" زَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ، لِأَنَّ إِذْ ظَرْفٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ «1». وَقَالَ" قُلْنا" وَلَمْ يَقُلْ قُلْتُ لِأَنَّ الْجَبَّارَ الْعَظِيمَ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِفِعْلِ الْجَمَاعَةِ تَفْخِيمًا وَإِشَادَةً بِذِكْرِهِ. وَالْمَلَائِكَةُ جَمْعُ مَلَكٍ، وقد تقدم «2». وتقدم القول أيضا في آدم واشتقاقه «3» فلا معنى لإعادته. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ أَنَّهُ ضَمَّ تَاءَ التَّأْنِيثِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِتْبَاعًا لِضَمِّ الْجِيمِ فِي" اسْجُدُوا". وَنَظِيرُهُ" الْحَمْدُ لِلَّهِ". الثَّانِيَةُ- قوله تعالى (اسْجُدُوا) السُّجُودُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ، قال الشاعر:

يجمع تَضِلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ ... تَرَى الْأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ

الْأُكْمُ: الْجِبَالُ الصِّغَارُ. جَعَلَهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ لِقَهْرِ الْحَوَافِرِ إِيَّاهَا وَأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهَا. وَعَيْنٌ سَاجِدَةٌ، أَيْ فَاتِرَةٌ عَنِ النَّظَرِ، وَغَايَتُهُ وَضْعُ الْوَجْهِ بِالْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: سَجَدَ إِذَا تَطَامَنَ، وَكُلُّ مَا سَجَدَ فَقَدْ ذَلَّ. وَالْإِسْجَادُ: إِدَامَةُ النَّظَرِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وأسجد إذا طأطأ رأسه، قال: «4»

فُضُولَ أَزِمَّتِهَا أَسَجَدَتْ ... سُجُودَ النَّصَارَى لِأَحْبَارِهَا

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَنْشَدَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ:

وَقُلْنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجَدَا

يَعْنِي الْبَعِيرَ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ. وَدَرَاهِمُ الْإِسْجَادِ: دَرَاهِمُ كَانَتْ عَلَيْهَا صُوَرٌ كَانُوا يَسْجُدُونَ لَهَا، قَالَ:

وَافَى بها كدراهم الاسجاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015