تُكْتَبْ فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ رَحْمَةٌ وَالرَّحْمَةُ أَمَانٌ وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَبِالسَّيْفِ وَلَا أَمَانَ لِلْمُنَافِقِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تُكْتَبْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا نَزَلَ بِهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَفِي قَوْلِ عُثْمَانَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّوَرَ كُلَّهَا انْتَظَمَتْ بِقَوْلِهِ وَتَبْيِينِهِ وَأَنَّ بَرَاءَةٌ وَحْدَهَا ضُمَّتْ إِلَى الْأَنْفَالِ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا عَاجَلَهُ مِنَ الْحِمَامِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ ذَلِكَ. وَكَانَتَا تُدْعَيَانِ الْقَرِينَتَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ تُجْمَعَا وَتُضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى لِلْوَصْفِ الَّذِي لَزِمَهُمَا مِنَ الِاقْتِرَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ. الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ" بَرَاءَةٌ" شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ" الْأَنْفَالِ" فَأَلْحَقُوهَا بِهَا؟ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ دُخُولَ الْقِيَاسِ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" بَراءَةٌ" تَقُولُ: بَرِئْتُ مِنَ الشَّيْءِ أَبْرَأُ بَرَاءَةً فَأَنَا منه برئ إِذَا أَزَلْتَهُ عَنْ نَفْسِكَ وَقَطَعْتَ سَبَبَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وَ" بَراءَةٌ" رَفْعٌ عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ بَرَاءَةٌ. وَيَصِحُّ أَنْ تُرْفَعَ بِالِابْتِدَاءِ. وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ:" إِلَى الَّذِينَ". وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ فَتَعَرَّفَتْ تَعْرِيفًا ما وجاز الاخبار عنها. وقرا عيسى ابن عُمَرَ" بَرَاءَةً" بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرٍ الْتَزِمُوا بَرَاءَةً فَفِيهَا مَعْنَى الْإِغْرَاءِ. وَهِيَ مَصْدَرٌ عَلَى فَعَالَةٍ كَالشَّنَاءَةِ وَالدَّنَاءَةِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يَعْنِي إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ المتولي للعقود وأصحا به بذلك كلهم راضون فكأنهم عاقد وا وعاهد وا فَنُسِبَ الْعَقْدُ إِلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ مَا عَقَدَهُ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ عَلَى قَوْمِهِمْ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِمْ يُؤَاخَذُونَ بِهِ إِذْ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّ تَحْصِيلَ الرِّضَا مِنَ الْجَمِيعِ مُتَعَذَّرٌ فَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ لِمَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَمْرًا لزم جميع الرعايا.