تفسير القرطبي (صفحة 3000)

الثَّانِيَةُ- ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا اقْتَحَمَ مَا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا مِمَّا هُوَ فِي عِلْمِ اللَّهُ حَلَالٌ لَهُ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ، كَالصَّائِمِ إِذَا قَالَ: هَذَا يَوْمُ نَوْبِي «1» فَأُفْطِرُ الْآنَ. أَوْ تَقُولُ الْمَرْأَةُ: هَذَا يَوْمُ حَيْضَتِي فَأُفْطِرُ، فَفَعَلَا ذَلِكَ، وَكَانَ النَّوْبُ وَالْحَيْضُ الْمُوجِبَانِ لِلْفِطْرِ، فَفِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ طُرُوَّ الْإِبَاحَةِ لَا يُثْبِتُ عُذْرًا فِي عُقُوبَةِ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْهَتْكِ، كَمَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ثُمَّ نَكَحَهَا. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ حُرْمَةَ الْيَوْمِ سَاقِطَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَادَفَ الْهَتْكُ مَحَلًّا لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ، فَكَانَ بمنزلة ما لو قصد وطئ امْرَأَةٍ قَدْ زُفَّتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَتِهِ فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ. وَهَذَا أَصَحُّ. وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ عِلْمِنَا قَدِ اسْتَوَى فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا اخْتَلَفَ فِيهَا عِلْمُنَا وَعِلْمُ اللَّهِ فَكَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ. كما قال:" لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ".

[سورة الأنفال (8): آية 69]

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)

يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْغَانِمِينَ، وَأَنْ يَكُونُوا مُشْتَرِكِينَ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" [الأنفال: 41] بَيْنَ وُجُوبِ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْهُ وَصَرْفُهُ إِلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا مستوفى.

[سورة الأنفال (8): الآيات 70 الى 71]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)

فيه ثلاث مسائل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015