تفسير القرطبي (صفحة 2976)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا رَأَى الشَّيْطَانُ نَفْسَهُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرَ وَلَا أَحْقَرَ وَلَا أَدْحَرَ وَلَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ) قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ (أَمَا إِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ «1» الْمَلَائِكَةَ). وَمَعْنَى نَكَصَ: رَجَعَ بِلُغَةِ سُلَيْمٍ، عَنْ مُؤَرِّجٍ «2» وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَيْسَ النُّكُوصُ عَلَى الْأَدْبَارِ مَكْرُمَةً ... إِنَّ الْمَكَارِمَ إِقْدَامٌ عَلَى الْأَسَلِ «3»

وَقَالَ آخَرُ:

وَمَا يَنْفَعُ الْمُسْتَأْخِرِينَ نُكُوصُهُمْ ... وَلَا ضَرَّ أَهْلَ السَّابِقَاتِ التقدم

وليس «4» ها هنا قَهْقَرَى بَلْ هُوَ فِرَارٌ، كَمَا قَالَ: (إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَدْبَرَ وَلَهُ ضُرَاطٌ). (إِنِّي أَخافُ اللَّهَ) قِيلَ: خَافَ إِبْلِيسُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ بَدْرٍ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْظِرَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: كَذَبَ إِبْلِيسُ فِي قَوْلِهِ:" إِنِّي أَخافُ اللَّهَ" وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لَهُ. وَيُجْمَعُ جَارٌ على أجوار وجيران، وفي القليل جيرة.

[سورة الأنفال (8): آية 49]

إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)

قِيلَ: الْمُنَافِقُونَ: الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَبْطَنُوا الْكُفْرَ. وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: الشَّاكُّونَ، وَهُمْ دُونَ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَفِيهِمْ بَعْضُ ضَعْفِ نِيَّةٍ. قَالُوا عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْقِتَالِ وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ. وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَوْلَى. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ" [البقرة: 3] ثُمَّ قَالَ" وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ" «5» [البقرة: 4] وهما لواحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015