تفسير القرطبي (صفحة 2957)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَوْفٌ: فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر عَوْفٌ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: (لِمَ لَمْ تُعْطِهِ)؟ قَالَ فَقَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ: (فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ) فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ أُنْجِزْ لَكَ مَا وَعَدْتُكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (يَا خَالِدُ لَا تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي) (?). فَهَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ السَّلَبَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَنَظَرِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلَّا فِي الْمُبَارَزَةِ خَاصَّةً. الْخَامِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْمِيسِ السَّلَبِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُخَمَّسُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ كَانَ السَّلَبُ يَسِيرًا فَهُوَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا خُمِّسَ. وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ، فَكَانَتْ قِيمَةُ مِنْطَقَتِهِ وَسِوَارَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَخَمَّسَ ذَلِكَ. أَنَسٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِائَةَ رَجُلٍ إِلَّا رَجُلًا مُبَارَزَةً، وَأَنَّهُمْ لَمَّا غَزَوُا الزَّارَةَ (?) خَرَجَ دِهْقَانُ الزَّارَةِ فَقَالَ: رَجُلٌ وَرَجُلٌ، فَبَرَزَ الْبَرَاءُ فَاخْتَلَفَا بِسَيْفَيْهِمَا ثُمَّ اعْتَنَقَا فَتَوَرَّكَهُ الْبَرَاءُ فَقَعَدَ عَلَى كَبِدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ السَّيْفَ فَذَبَحَهُ، وَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَمِنْطَقَتَهُ وَأَتَى بِهِ عُمَرَ، فَنَفَّلَهُ السِّلَاحَ وَقَوَّمَ الْمِنْطَقَةَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا فَخَمَّسَهَا، وَقَالَ: إِنَّهَا مَالٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ: السَّلَبُ مَغْنَمٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ. وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ. السَّادِسَةُ- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لَا يُعْطَى لِلْقَاتِلِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ على قتله. قال أكثر هم: وَيُجْزِئُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، عَلَى حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَقِيلَ: شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَيْسَتِ الْبَيِّنَةُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، بَلْ إِنِ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَهُوَ الْأَوْلَى دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا قَتَادَةَ سَلَبَ مقتوله مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَلَا يَمِينٍ. وَلَا تَكْفِي شهادة واحد، ولا يناط بها حكم بمجرد ها. وبه قال الليث بن سعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015