قَالَ: الْمُكَاءُ إِدْخَالُهُمْ أَصَابِعَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَالتَّصْدِيَةُ: الصَّفِيرُ، يُرِيدُونَ أَنْ يَشْغَلُوا بِذَلِكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُقَالُ: مكا يمكو ومكاء إِذَا صَفَّرَ. وَصَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَةً إِذَا صَفَّقَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْإِطْنَابَةِ «1»:
وَظَلُّوا جَمِيعًا لَهُمْ ضَجَّةُ ... مُكَاءٍ لَدَى الْبَيْتِ بِالتَّصْدِيَهْ
أَيْ بِالتَّصْفِيقِ. سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى التَّصَدِّيَةِ صَدُّهُمْ عَنِ الْبَيْتِ، فَالْأَصْلُ عَلَى هَذَا تصدده، فأبدل من أحد الدالين ياء. (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أَيِ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ شي، من الأعمال والنفقات وغير ذلك.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)
فيه مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِلْكُفَّارِ هَذَا الْمَعْنَى، وَسَوَاءٌ قَالَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُمْ" لَمَّا تَأَدَّتِ الرِّسَالَةُ إِلَّا بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَيْنِهَا، هَذَا بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْأَلْفَاظُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ يَنْتَهُوا) يُرِيدُ عَنِ الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا بُدَّ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ جَوَابُ الشَّرْطِ" يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ" وَمَغْفِرَةُ مَا قَدْ سَلَفَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُنْتَهٍ عَنِ الْكُفْرِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ أَبُو سَعِيدِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ:
يَسْتَوْجِبُ الْعَفْوَ الْفَتَى إِذَا اعْتَرَفْ ... ثُمَّ انْتَهَى عَمَّا أَتَاهُ وَاقْتَرَفْ
لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْمُعْتَرِفْ ... إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ