تفسير القرطبي (صفحة 2930)

فِي كِتَابِ الْمَجَازِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: وَمَا رَمَيْتَ بِقُوَّتِكَ، إِذْ رَمَيْتَ، وَلَكِنَّكَ بِقُوَّةِ اللَّهِ رَمَيْتَ. (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) البلاء ها هنا النعمة. واللام تتعلق بمحذوف، أي وليبلي المؤمنين فعل ذلك. (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَأَبِي عَمْرٍو. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ (مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ). وَفِي التَّشْدِيدِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ" مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ" بِالْإِضَافَةِ وَالتَّخْفِيفِ «1». وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ حَتَّى يَتَشَتَّتُوا وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ فَيَضْعُفُوا. وَالْكَيْدُ: الْمَكْرُ. وقد تقدم «2».

[سورة الأنفال (8): آية 19]

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) شرطه وَجَوَابُهُ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: يَكُونُ خِطَابًا لِلْكُفَّارِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَفْتَحُوا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَأَظْلَمُنَا لِصَاحِبِهِ فَانْصُرْهُ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَقْتَ خُرُوجِهِمْ لِنُصْرَةِ الْعِيرِ. وَقِيلَ: قَالَهُ أَبُو جَهْلٍ وَقْتَ الْقِتَالِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَهُوَ مِمَّنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ. وَالِاسْتِفْتَاحُ: طَلَبُ النَّصْرِ، أَيْ قَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَلَكِنَّهُ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْكُمْ. أَيْ فَقَدْ جَاءَكُمْ مَا بَانَ بِهِ الْأَمْرُ، وَانْكَشَفَ لَكُمُ الْحَقُّ." وَإِنْ تَنْتَهُوا" (أَيْ «3») عَنِ الْكُفْرِ (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). (وَإِنْ تَعُودُوا) أَيْ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقِتَالِ مُحَمَّدٍ. (نَعُدْ) إِلَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ. (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) أي (عن «4») جَمَاعَتُكُمْ (شَيْئاً). (وَلَوْ كَثُرَتْ) أَيْ فِي الْعَدَدِ. الثَّانِي- يَكُونُ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ. وَإِنْ" تَنْتَهُوا" أَيْ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلْتُمُوهُ مِنْ أَخْذِ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى قبل الإذن،" فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ". و" وَإِنْ تَعُودُوا" أَيْ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ نَعُدْ إلى توبيخكم. كما قال:" لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ" الآية «5».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015