ابن الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْجَمُوحِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ أَوْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ لَكَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِنَا إِلَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ وَنُعَوِّرُ (?) مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقَلْبِ (?)، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَأُهُ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَاسْتَحْسَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ، وَفَعَلَهُ. ثُمَّ الْتَقَوْا فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَأَسَرَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَشَفَى اللَّهُ صَدْرَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصُدُورِ أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْظِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ حَسَّانُ:
عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطِّ الْوَحْيِ فِي الْوَرِقِ الْقَشِيبِ (?)
تَدَاوَلَهَا الرِّيَاحُ وَكُلُّ جَوْنٍ ... مِنَ الْوَسْمِيِّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ (?)
فَأَمْسَى رَبْعُهَا خَلْقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا (?) بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ
فَدَعْ عَنْكَ التَّذَكُّرَ كُلَّ يَوْمٍ ... وَرُدَّ حَرَارَةَ الصَّدْرِ الْكَئِيبِ (?)
وَخَبِّرْ بِالَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقٍ غَيْرَ إِخْبَارِ الْكَذُوبِ
بِمَا صَنَعَ الْإِلَهُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّصِيبِ
غَدَاةً كَأَنْ جَمَعَهُمْ حِرَاءُ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ
فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنَّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ
أَمَامَ مُحَمَّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٍ ... وكل مجرب خاظي الكعوب (?)