تفسير القرطبي (صفحة 2909)

[سورة الأنفال (8): الآيات 2 الى 4]

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (?) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (?) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (. فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الأولى- قال العلماء: هذ الْآيَةُ تَحْرِيضٌ عَلَى إِلْزَامِ طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِسْمَةِ تِلْكَ الْغَنِيمَةِ. وَالْوَجَلُ: الْخَوْفُ. وَفِي مُسْتَقْبَلِهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: وَجِلَ يَوْجَلُ وَيَاجَلُ وَيَيْجَلُ وَيَيْجِلُ، حكاه سيبويه. والمصدر وجل جلا ومؤجلا، بالفتح. وهذا مؤجلة (بِالْكَسْرِ) لِلْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ. فَمَنْ قَالَ: يَاجَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَعَلَ الْوَاوَ أَلِفًا لِفَتْحَةِ مَا قَبْلَهَا. وَلُغَةُ الْقُرْآنِ الْوَاوُ" قالُوا لَا تَوْجَلْ «1» " وَمَنْ قَالَ:" يِيجَلُ" بِكَسْرِ الْيَاءِ فَهِيَ عَلَى لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَنَا إِيجَلُ، وَنَحْنُ نِيجَلُ، وَأَنْتَ تِيجَلُ، كُلُّهَا بِالْكَسْرِ. وَمَنْ قَالَ:" يَيْجَلُ" بَنَاهُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَلَكِنَّهُ فَتَحَ الْيَاءَ كَمَا فَتَحُوهَا فِي يَعْلَمُ، وَلَمْ تُكْسَرِ الْيَاءُ فِي يَعْلَمُ لِاسْتِثْقَالِهِمُ الْكَسْرَ عَلَى الْيَاءِ. وَكُسِرَتْ فِي" يِيجَلُ" لِتَقَوِّي إِحْدَى الْيَاءَيْنِ بِالْأُخْرَى. وَالْأَمْرُ مِنْهُ" إِيجَلْ" صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا. وَتَقُولُ: إِنِّي مِنْهُ لَأَوْجَلُ. وَلَا يُقَالُ فِي الْمُؤَنَّثِ: وَجْلَاءُ: وَلَكِنْ وَجِلَةٌ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ:" الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" قَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَظْلِمَ مَظْلِمَةً قِيلَ لَهُ: اتق الله، وَوَجِلَ قَلْبُهُ. الثَّانِيَةُ- وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْخَوْفِ وَالْوَجَلِ عِنْدَ ذِكْرِهِ. وَذَلِكَ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ وَمُرَاعَاتهمْ لِرَبِّهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ" وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ «2» ". وَقَالَ" وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ «3» اللَّهِ". فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى كَمَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015