تفسير القرطبي (صفحة 2880)

عَنْهَا) أَيْ عَالِمٌ بِهَا كَثِيرُ السُّؤَالِ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْحَفِيُّ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ. وَالْحَفِيُّ الْمُسْتَقْصِي فِي السُّؤَالِ. قَالَ الْأَعْشَى:

فَإِنْ تَسْأَلِي عني فيأرب سائل ... خفي عَنِ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا

يُقَالُ: أَحْفَى فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الطَّلَبِ، فَهُوَ مُحْفٍ وَحَفِيٌّ عَلَى التَّكْثِيرِ، مِثْلَ مُخْصِبٍ وَخَصِيبٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: الْمَعْنَى يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهَا، أَيْ مُلِحٌّ. يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْمَعْنَى: يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهِمْ أَيْ حَفِيٌّ بِبِرِّهِمْ وَفَرِحٌ بِسُؤَالِهِمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةٌ فَأَسِرَّ إِلَيْنَا بِوَقْتِ السَّاعَةِ. (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ليس هذا تكريرا، ولكن أحد المسلمين لوقوعها والآخر لكنهها.

[سورة الأعراف (7): آية 188]

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أَيْ لَا أَمْلِكُ أَنْ أَجْلِبَ إِلَى نَفْسِي خَيْرًا وَلَا أَدْفَعَ عَنْهَا شَرًّا، فَكَيْفَ أَمْلِكُ عِلْمَ السَّاعَةِ. وَقِيلَ: لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي الْهُدَى وَالضَّلَالَ. (إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَالْمَعْنَى: إِلَّا مَا شاء الله أن يملكني يمكنني مِنْهُ. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

مَهْمَا شَاءَ بِالنَّاسِ يَفْعَلُ «1»

وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) الْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِّي مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعَرِّفَنِيهِ لَفَعَلْتُهُ. وَقِيلَ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ مَتَى يَكُونُ لِيَ النَّصْرُ فِي الْحَرْبِ لَقَاتَلْتُ فَلَمْ أُغْلَبْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ سَنَةَ الْجَدْبِ لَهَيَّأْتُ لَهَا فِي زَمَنِ الْخَصْبِ مَا يَكْفِينِي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ التِّجَارَةَ التي تنفق لاشتريتها وقت كسادها. وقيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015