تفسير القرطبي (صفحة 2856)

بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَيَبْلَى الْقُرْآنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ فَيَتَهَافَتُ، يَقْرَءُونَهُ لَا يَجِدُونَ لَهُ شَهْوَةً وَلَا لَذَّةً، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، أَعْمَالُهُمْ طَمَعٌ لَا يُخَالِطُهُ خَوْفٌ، إِنْ قَصَّرُوا قَالُوا سَنَبْلُغُ، وَإِنْ أَسَاءُوا قَالُوا سَيُغْفَرُ لَنَا، إِنَّا لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي" يَأْتِهِمْ" لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ، أَيْ وَإِنْ يَأْتِ يَهُودَ يَثْرِبَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ كَمَا أَخَذَهُ أَسْلَافُهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ. الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) يُرِيدُ التَّوْرَاةَ. وَهَذَا تَشْدِيدٌ فِي لُزُومِ قَوْلِ الْحَقِّ فِي الشَّرْعِ وَالْأَحْكَامِ، وَأَلَّا يَمِيلَ الْحُكَّامُ بِالرِّشَا إِلَى الْبَاطِلِ. قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي لَزِمَ هَؤُلَاءِ وَأُخِذَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْمِيثَاقُ فِي قَوْلِ الْحَقِّ، لَازِمٌ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابِ رَبِّنَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (النِّسَاءِ (?)). وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَالْحَمْدُ لله. الثانية- قوله تعالى: (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) أَيْ قَرَءُوهُ، وَهُمْ قَرِيبُو عهد به. وقرا أبو عبد الرحمن وادرسوا مَا فِيهِ فَأُدْغِمَ (?) التَّاءُ فِي الدَّالِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ يَأْتِيهِمُ الْمُحِقُّ بِرِشْوَةٍ فَيُخْرِجُونَ لَهُ كِتَابَ اللَّهِ فَيَحْكُمُونَ لَهُ بِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْمُبْطِلُ أَخَذُوا مِنْهُ الرِّشْوَةَ وَأَخْرَجُوا لَهُ كِتَابَهُمُ الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ وَحَكَمُوا لَهُ. وَقَالَ ابن عباس:" أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ" وَقَدْ قَالُوا الْبَاطِلَ فِي غُفْرَانِ ذُنُوبِهِمُ الَّذِي يُوجِبُونَهُ وَيَقْطَعُونَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْكُمُونَ بِهَا، كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ مَعْنَى" وَدَرَسُوا مَا فِيهِ" أَيْ مَحَوْهُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَالْفَهْمِ لَهُ، مِنْ قَوْلِكَ: دَرَسَتِ الرِّيحُ الْآثَارَ، إِذَا مَحَتْهَا. وَخَطٌّ دَارِسٌ وَرَبْعٌ دَارِسٌ، إِذَا امَّحَى وَعَفَا أَثَرُهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُوَاطِئٌ- أَيْ مُوَافِقٌ- لقوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015