وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) يُقَالُ لِلْمَدِينَةِ قَرْيَةٌ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا. مِنْ قَرَيْتُ الْمَاءَ إِذَا جَمَعْتُهُ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" مُسْتَوْفًى»
. (آمَنُوا) أَيْ صَدَّقُوا. (وَاتَّقَوْا) أَيِ الشِّرْكَ. (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يَعْنِي الْمَطَرَ وَالنَّبَاتَ. وَهَذَا فِي أَقْوَامٍ عَلَى الْخُصُوصِ جَرَى ذِكْرُهُمْ. إِذْ قَدْ يُمْتَحَنُ الْمُؤْمِنُونَ بِضِيقِ الْعَيْشِ وَيَكُونُ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِهِمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ" اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً «2» " وَعَنْ هُودٍ" ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً «3» ". فَوَعَدَهُمُ الْمَطَرَ وَالْخِصْبَ عَلَى التَّخْصِيصِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أَيْ كذبوا الرسل. والمؤمنون صدقوا ولم يكذبوا.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءِ لِلْعَطْفِ. نَظِيرُهُ:" أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ «4» ". وَالْمُرَادُ بِالْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا، لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْقُرَى. (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) أَيْ عَذَابُنَا. (بَياتاً) أَيْ لَيْلًا (وَهُمْ نائِمُونَ) (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) قَرَأَهُ الْحَرَمِيَّانِ وَابْنُ عَامِرٍ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ، عَلَى مَعْنَى الْإِبَاحَةِ، مِثْلَ" وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً «5» ". جَالِسْ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ. وَالْمَعْنَى: أَوْ أَمِنُوا هَذِهِ الضُّرُوبَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ. أَيْ إِنْ أَمِنْتُمْ ضَرْبًا مِنْهَا لَمْ تأمنوا الآخر.