تفسير القرطبي (صفحة 2775)

مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ- أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ- مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَدَلَّ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.

[سورة الأعراف (7): آية 58]

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) أَيِ التُّرْبَةُ الطَّيِّبَةُ. وَالْخَبِيثُ الَّذِي فِي تُرْبَتِهِ حِجَارَةٌ أَوْ شَوْكٌ، عَنِ الْحَسَنِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّشْبِيهُ، شَبَّهَ تَعَالَى السَّرِيعَ الْفَهْمَ بِالْبَلَدِ الطَّيِّبِ، وَالْبَلِيدَ بِالَّذِي خَبُثَ، عَنِ النَّحَّاسِ. وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ لِلْقُلُوبِ، فَقَلْبٌ يَقْبَلُ الْوَعْظَ وَالذِّكْرَى، وَقَلْبٌ فَاسِقٌ يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ، قال الْحَسَنُ أَيْضًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَثَلٌ لِلْمُؤْمِنِ يَعْمَلُ مُحْتَسِبًا مُتَطَوِّعًا، وَالْمُنَافِقُ غَيْرُ مُحْتَسِبٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ «1» حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ)." نَكِداً" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ الْعَسِرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ إِعْطَاءِ الْخَيْرِ. وَهَذَا تَمْثِيلٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي أَنَّ فِي بَنِي آدَمَ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ" إِلَّا نَكِداً" حَذَفَ الْكَسْرَةِ لِثِقَلِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ" نَكَدًا" بِفَتْحِ الْكَافِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى ذَا نَكَدٍ. كَمَا قَالَ:

فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ «2»

وَقِيلَ:" نَكِدًا" بِنَصْبِ الْكَافِ وَخَفْضِهَا بِمَعْنًى، كَالدَّنِفِ وَالدَّنَفِ، لُغَتَانِ. (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أَيْ كَمَا صَرَّفْنَا مِنَ الْآيَاتِ، وَهِيَ الْحُجَجُ وَالدَّلَالَاتُ، فِي إِبْطَالِ الشِّرْكِ، كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ. (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015