الشَّرَائِعِ وَوُضُوحِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَصَدَ إِلَى أَكْبَرِ فَسَادٍ بَعْدَ أَعْظَمِ صَلَاحٍ فَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ. قُلْتُ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الضَّحَّاكُ فَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَأَمَّا مَا يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَوَّرَ مَاءَ قَلِيبِ (?) بَدْرٍ وَقَطَعَ شَجَرَ الْكَافِرِينَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي قَطْعِ الدَّنَانِيرِ فِي" هُودٍ (?) " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أَمْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي حَالَةِ تَرَقُّبٍ وَتَخَوُّفٍ وَتَأْمِيلٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ لِلْإِنْسَانِ كَالْجَنَاحَيْنِ لِلطَّائِرِ يَحْمِلَانِهِ فِي طَرِيقِ اسْتِقَامَتِهِ، وَإِنِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا هَلَكَ الْإِنْسَانُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (?) ". فَرَجَّى وَخَوَّفَ. فَيَدْعُو الْإِنْسَانُ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً (?) ". وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ. وَالْخَوْفُ: الِانْزِعَاجُ لِمَا لَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمَضَارِّ. وَالطَّمَعُ: تَوَقُّعُ الْمَحْبُوبِ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَنْبَغِي أَنْ يَغْلِبَ (?) الْخَوْفُ الرَّجَاءَ طُولَ الْحَيَاةِ، فَإِذَا جَاءَ الْمَوْتُ غَلَبَ الرَّجَاءُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ). صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَةٌ. فَفِيهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالرُّحُمَ واحد، وهي بمعنى العفو الغفران، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الرَّحْمَةُ مَصْدَرٌ، وَحَقُّ الْمَصْدَرِ التَّذْكِيرُ، كَقَوْلِهِ:" فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ (?) ". وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الزَّجَّاجِ، لِأَنَّ الْمَوْعِظَةَ بِمَعْنَى الْوَعْظِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بالرحمة الإحسان،