تفسير القرطبي (صفحة 2755)

[سورة الأعراف (7): آية 46]

وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)

أَيْ بَيْنَ النَّارِ وَالْجَنَّةِ- لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُهُمَا- حاجز، أسور. وَهُوَ السُّورُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ:" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ «1» ". (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) أَيْ عَلَى أَعْرَافِ السُّورِ، وَهِيَ شُرَفُهُ. وَمِنْهُ عُرْفُ الْفَرَسِ وَعُرْفُ الدِّيكِ. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي «2» يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْرَافُ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْرَافُ سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. وَالْأَعْرَافُ فِي اللُّغَةِ: الْمَكَانُ الْمُشْرِفُ، جَمْعُ عُرْفٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: سَأَلْتُ الْكِسَائِيَّ عَنْ وَاحِدِ الْأَعْرَافِ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَعْرَافُ سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. فَقَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَاحِدُهُ يَعْنِي، وَجَمَاعَتُهُ أَعْرَافٌ، يَا غُلَامُ، هَاتِ الْقِرْطَاسَ، فَكَتَبَهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ. الْمَدْحِ، كَمَا قَالَ فِيهِ:" رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ «3» " وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي مُسْنَدِ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ (فِي آخِرِ الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ) حَدِيثٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ صوابه «4» دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مثقال صوابه دخل النار). قيل: يا وسول اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؟ قَالَ: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ) (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ هُمْ فُضَلَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالشُّهَدَاءِ، فَرَغُوا مِنْ شَغْلِ أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة حال الناس، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015