تفسير القرطبي (صفحة 2740)

ثوبين من متاع بمصر مُمَشَّقَيْنِ (?) وَيَقُولُ:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ". الثَّانِيَةُ- وَإِذَا كَانَ هَذَا فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى لِبَاسِ الرَّفِيعِ مِنَ الثِّيَابِ، وَالتَّجَمُّلِ بِهَا فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَعِنْدَ لِقَاءِ النَّاسِ وَمُزَاوَرَةِ الْإِخْوَانِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا تَزَاوَرُوا تَجَمَّلُوا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ (?) تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلِلْوُفُودِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما يلبس هذا من لأخلاق لَهُ فِي الْآخِرَةِ). فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذِكْرَ التجمل، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذِكْرَ التَّجَمُّلِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهَا سِيَرَاءَ. وَقَدِ اشْتَرَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ حُلَّةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْعَدَنِيَّةَ الْجِيَادَ. وَكَانَ ثَوْبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يُشْتَرَى بِنَحْوِ الدِّينَارِ. أَيْنَ هَذَا مِمَّنْ يَرْغَبُ عَنْهُ وَيُؤْثِرُ لِبَاسَ الْخَشِنِ مِنَ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ مِنَ الثِّيَابِ. وَيَقُولُ:" وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ" هَيْهَاتَ! أَتَرَى مَنْ ذَكَرْنَا تَرَكُوا لِبَاسَ التَّقْوَى، لَا وَاللَّهِ! بَلْ هُمْ أَهْلُ التَّقْوَى وَأُولُو الْمَعْرِفَةِ وَالنُّهَى، وَغَيْرُهُمْ أَهْلُ دَعْوَى، وَقُلُوبُهُمْ خَالِيَةٌ مِنَ التَّقْوَى. قَالَ خَالِدُ بْنُ شَوْذَبَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ وَأَتَاهُ فَرْقَدٌ، فَأَخَذَهُ الْحَسَنُ بِكِسَائِهِ فَمَدَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا فُرَيْقِدُ، يَا بْنَ أُمِّ فُرَيْقِدٍ، إِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ فِي هَذَا الْكِسَاءِ، إِنَّمَا الْبِرُّ مَا وَقَرَ فِي الصَّدْرِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ. وَدَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ أَخِي مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ يَسَارٍ (?) وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ صُوفٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، صَوَّفْتَ قَلْبَكَ أَوْ جِسْمَكَ؟ صَوِّفْ قَلْبَكَ وَالْبَسِ الْقُوهِيَّ عَلَى الْقُوهِيِّ (?). وَقَالَ رَجُلٌ لِلشِّبْلِيِّ: قَدْ وَرَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُمْ فِي الْجَامِعِ، فَمَضَى فَرَأَى عَلَيْهِمُ الْمُرَقَّعَاتِ وَالْفُوَطَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَمَّا الْخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ ... وَأَرَى نِسَاءَ الْحَيِّ غير نسائه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015