تفسير القرطبي (صفحة 2716)

وذهب القفال من الشافعية وأبو الحسين الْبَصْرِيِّ إِلَى وُجُوبِ التَّعَبُّدِ بِهِ عَقْلًا. وَذَهَبَ النَّظَّامُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ التَّعَبُّدُ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَرَدَّهُ بَعْضُ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي (كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ): الْمَعْنَى لَا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ أَوْ فِي إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِذَا وُجِدَ فِيهَا الْحُكْمُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْقِيَاسُ. وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا (بَابُ مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بين الله حكمها لِيُفْهِمَ السَّائِلَ). وَتَرْجَمَ بَعْدَ هَذَا (بَابُ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ وَكَيْفَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ وَتَفْسِيرِهَا). وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الِاجْتِهَادُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ هُوَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ، وَالْفَرْضُ اللَّازِمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى الْقِيَاسِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قِيَاسِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقِيلُونِي بَيْعَتِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، رَضِيَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاكَ لِدُنْيَانَا؟ فَقَاسَ الْإِمَامَةَ عَلَى الصَّلَاةِ. وَقَاسَ الصِّدِّيقُ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ. وَصَرَّحَ عَلِيٌّ بِالْقِيَاسِ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَحَدُّهُ حَدُ الْقَاذِفِ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ كتابا فيه: الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، ثُمَّ قِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ ذَكَرَهُ الدَّارقُطْنِيُّ. وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ (?) عَنْهُمَا) فِي حَدِيثِ الْوَبَاءِ، حِينَ رَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ (?): نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ! نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرَأَيْتَ (?) ... فَقَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ بِمَحْضَرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَحَسْبُكَ. وَأَمَّا الْآثَارُ وَآيُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَثِيرٌ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَعِصْمَةٌ مِنْ عِصَمِ الْمُسْلِمِينَ، يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ العاملون، فيستنبطون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015