تفسير القرطبي (صفحة 2668)

وَهُوَ الْمُحَرَّمُ. وَغَيْرُهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الدَّمَ غَيْرَ الْمَسْفُوحِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَا عُرُوقٍ يَجْمُدُ عَلَيْهَا كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَهُوَ حلال، لقول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ) الْحَدِيثَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي عُرُوقٍ يَجْمُدُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعَ اللَّحْمِ فَفِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْفُوحِ أَوْ بَعْضُهُ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَسْفُوحَ لِاسْتِثْنَاءِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ مِنْهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ، لِتَخْصِيصِ التَّحْرِيمِ بِالْمَسْفُوحِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَمَّا يَتَلَطَّخُ مِنَ اللَّحْمِ بِالدَّمِ، وَعَنِ الْقِدْرِ تَعْلُوهَا الْحُمْرَةُ مِنَ الدَّمِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَسْفُوحَ. وَقَالَتْ نَحْوَهُ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا، وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْعُرُوقِ مَا تَتْبَعُ الْيَهُودُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا بَأْسَ بِالدَّمِ فِي عِرْقٍ أَوْ مُخٍّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وحكم المضطر في (البقرة «1») والله أعلم «2».

[سورة الأنعام (6): آية 146]

وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)

فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَرَّمَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَا حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا نَحْنُ حَرَّمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا مَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَعْنَى (هَادُوا «3». وَهَذَا التَّحْرِيمُ عَلَى الَّذِينَ هَادُوا إِنَّمَا هُوَ تَكْلِيفُ بَلْوَى وَعُقُوبَةٍ. فَأَوَّلُ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِمْ كُلُّ ذِي ظُفُرٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" ظُفْرٍ" بِإِسْكَانِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ أَبُو السِّمَالِ" ظِفْرٍ" بِكَسْرِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ. وَأَنْكَرَ أَبُو حَاتِمٍ كسر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015