تفسير القرطبي (صفحة 2651)

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوَسُقٍ، كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (?) ". وَقَالَ تَعَالَى:" وَآتُوا حَقَّهُ". ثُمَّ وَقَعَ الْبَيَانُ بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمِقْدَارُ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمَالُ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ مُجْمَلًا بَيَّنَهُ أَيْضًا فَقَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ) وَهُوَ يَنْفِي الصَّدَقَةَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، إِذْ لَيْسَتْ مِمَّا يُوسَقُ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي نَصِيبِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مِنْ زَبِيبٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالنِّصَابِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. يُقَالُ: وِسْقٌ وَوَسْقٌ (بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا) وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَمَبْلَغُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ مِنَ الْأَمْدَادِ أَلْفُ مُدٍّ وَمِائَتَا مُدٍّ، وَهِيَ بِالْوَزْنِ أَلْفُ رِطْلٍ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ (?). السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- وَمَنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ (إِجْمَاعًا (?) لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَافُ التَّمْرُ إِلَى الْبُرِّ وَلَا الْبُرُّ إِلَى الزَّبِيبِ، وَلَا الْإِبِلُ إِلَى الْبَقَرِ، وَلَا الْبَقَرُ إِلَى الْغَنَمِ. وَيُضَافُ الضَّأْنُ إِلَى الْمَعْزِ بِإِجْمَاعٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي ضم البر إلى الشعير والسلت وهي: السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- فَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً فَقَطْ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِهَا فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ، وَافْتِرَاقُهَا فِي الِاسْمِ لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا فِي الْحُكْمِ كَالْجَوَامِيسِ وَالْبَقَرِ، وَالْمَعْزِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا، لِأَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَصِفَاتُهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَأَسْمَاؤُهَا مُتَغَايِرَةٌ، وَطَعْمُهَا مُخْتَلِفٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَطَانِيُّ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، يُضَمُّ إِلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الشافعي: لا يضم حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَ صَاحِبَتِهَا، وَهِيَ خِلَافُهَا مُبَايِنَةٌ فِي الْخِلْقَةِ وَالطَّعْمِ إِلَى غَيْرِهَا يضم كُلُّ صِنْفٍ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، رَدِيئُهُ إِلَى جَيِّدِهِ، كَالتَّمْرِ وَأَنْوَاعِهِ، وَالزَّبِيبِ أَسْوَدِهِ وَأَحْمَرِهِ، وَالْحِنْطَةِ وَأَنْوَاعِهَا مِنَ السَّمْرَاءِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015