تفسير القرطبي (صفحة 2618)

[سورة الأنعام (6): آية 120]

وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَحَاصِلُهَا رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مَا كَانَ عَمَلًا بِالْبَدَنِ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَبَاطِنَهُ مَا عَقَدَ بِالْقَلْبِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى وَأَحْسَنَ، كَمَا قَالَ:" ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا". وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ. حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَائِدَةِ «1». وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ من الزنا الظاهر واتخاذ الحلائل فِي الْبَاطِنِ. وَمَا قَدَّمْنَا جَامِعٌ لِكُلِّ إِثْمٍ (وموجب لكل أمر «2».

[سورة الأنعام (6): آية 121]

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى أَبُو دَاوُدَ قَالَ: جَاءَتِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" قَالَ: خَاصَمَهُمُ «3» الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا، فَإِنَّكُمْ لَمْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا. وَتَنْشَأُ هُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يُقْصَرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا إِشْكَالَ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِعُ ابْتِدَاءً مِنْ صِيَغِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ. أَمَّا ما ذكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015