قوله تعالى: (وتمت كلمات رَبِّكَ) قِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوَاعِيدُ رَبِّكَ، فَلَا مُغَيِّرَ لَهَا. وَالْكَلِمَاتُ تَرْجِعُ إِلَى الْعِبَارَاتِ أَوْ إِلَى الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ قَتَادَةُ: الْكَلِمَاتُ هِيَ الْقُرْآنُ لَا مُبَدِّلَ لَهُ، لَا يَزِيدُ فِيهِ الْمُفْتَرُونَ وَلَا يَنْقُصُونَ. (صِدْقاً وَعَدْلًا) أَيْ فِيمَا وَعَدَ وَحَكَمَ، لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ. وَحَكَى الرُّمَّانِيُّ، عَنْ قتادة. وَحَكَى الرُّمَّانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ. لَا مُبَدِّلَ لَهَا فِيمَا حَكَمَ بِهِ، أَيْ إِنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ فِي الْأَلْفَاظِ كَمَا غَيَّرَ أَهْلُ الْكِتَابِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ دَلَالَاتِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهُ بِمَا يُنَاقِضُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شي من الأمور (كلها «1».
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) أَيِ الْكُفَّارَ. (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ. (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) " إِنْ" بِمَعْنَى مَا، وَكَذَلِكَ (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أَيْ يَحْدِسُونَ وَيُقَدِّرُونَ، وَمِنْهُ الْخَرْصُ، وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَى قَصْدَ الْمِرَانِ فِينَا كَأَنَّهُ ... تَذَرُّعُ خِرْصَانَ بِأَيْدِي الشَّوَاطِبِ «2»
يَعْنِي جَرِيدًا يُقْطَعُ طُولًا وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَرْصُ. وَهُوَ جَمْعُ الْخَرْصِ، وَمِنْهُ خَرَصَ يَخْرُصُ النَّخْلَ خَرْصًا إِذَا حَزَرَهُ لِيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْهُ. فَالْخَارِصُ يَقْطَعُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ، إِذْ لَا يَقِينَ مَعَهُ.