الْأَبْصَارَ، أَيْ لَا يَعْرِفُونَ كَيْفِيَّةَ حَقِيقَةِ الْبَصَرِ، وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي صَارَ بِهِ الْإِنْسَانُ يُبْصِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُونَ أَنْ يُبْصِرَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ. ثُمَّ قَالَ:" وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" أَيِ الرَّفِيقُ بِعِبَادِهِ، يُقَالُ: لَطَفَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَلْطُفُ، أَيْ رَفَقَ بِهِ. وَاللُّطْفُ فِي الْفِعْلِ الرِّفْقُ فِيهِ. وَاللُّطْفُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ. وَأَلْطَفَهُ بِكَذَا، أَيْ بَرَّهُ بِهِ. وَالِاسْمُ اللَّطَفُ بِالتَّحْرِيكِ. يُقَالُ: جَاءَتْنَا مِنْ فُلَانٍ لَطَفَةٌ، أَيْ هَدِيَّةٌ. وَالْمُلَاطَفَةُ الْمُبَارَّةُ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ وَابْنِ فَارِسٍ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْمَعْنَى لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِ الْأَشْيَاءِ خَبِيرٌ بِمَكَانِهَا. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: اللَّطِيفُ من نور قلبك بالهدى، وربى جسمك بالغذاء، وَجَعَلَ لَكَ الْوِلَايَةَ فِي الْبَلْوَى، وَيَحْرُسُكَ وَأَنْتَ فِي لَظَى، وَيُدْخِلُكَ جَنَّةَ الْمَأْوَى. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، مِمَّا مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَغَيْرِهِ. وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ فِي" الشُّورَى «1» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أَيْ آيَاتٌ وَبَرَاهِينُ يُبْصَرُ بِهَا وَيُسْتَدَلُّ، جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ الدَّلَالَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
جَاءُوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وَآيُ «2»
يَعْنِي بِالْبَصِيرَةِ الْحُجَّةَ الْبَيِّنَةَ الظَّاهِرَةَ. وَوَصَفَ الدَّلَالَةَ بِالْمَجِيءِ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهَا، إِذْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ الْمُتَوَقَّعِ حُضُورُهُ لِلنَّفْسِ، كَمَا يُقَالُ: جَاءَتِ الْعَافِيَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الْمَرَضُ، وَأَقْبَلَ السُّعُودُ وَأَدْبَرَ النُّحُوسُ (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) الْإِبْصَارُ: هُوَ الْإِدْرَاكُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، أَيْ فَمَنِ اسْتَدَلَّ وَتَعَرَّفَ فَنَفْسَهُ نفع. (وَمَنْ عَمِيَ) لَمْ يَسْتَدِلَّ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْمَى، فَعَلَى نَفْسِهِ يعود