الجزء السابع
(بسم الله الرحمن الرحيم)
[تتمة تفسير سورة الأنعام]
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ نَزَلَ مَعَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خمس لا يعلمها إلا الله لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:" قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" «1» وَمَفَاتِحُ جَمْعُ مَفْتَحٍ، هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ. وَيُقَالُ: مِفْتَاحٌ وَيُجْمَعُ مَفَاتِيحُ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ السَّمَيْقَعِ" مَفَاتِيحُ". وَالْمِفْتَحُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا يَحُلُّ غَلْقًا، مَحْسُوسًا كَانَ كالقفل على البيت أو معقول كَالنَّظَرِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ (. وَهُوَ فِي الْآيَةِ اسْتِعَارَةٌ عَنِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْغُيُوبِ كَمَا يُتَوَصَّلُ فِي الشَّاهِدِ بِالْمِفْتَاحِ إِلَى الْمُغَيَّبِ عَنِ الْإِنْسَانِ،