تفسير القرطبي (صفحة 2522)

تُرِيدُ. (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ لِيُؤْمِنُوا فَافْعَلْ، فَأُضْمِرَ الْجَوَابُ لِعِلْمِ السَّامِعِ. أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ هُدَاهُمْ. (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) أَيْ لَخَلَقَهُمْ مُؤْمِنِينَ وَطَبَعَهُمْ عَلَيْهِ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ كُفْرَهُمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ردا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَيْ لَأَرَاهُمْ آيَةً تَضْطَرُّهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُثِيبَ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمَنْ أَحْسَنَ. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) أَيْ مِنَ الذِينَ اشْتَدَّ حُزْنُهُمْ وَتَحَسَّرُوا حَتَّى أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْجَزَعِ الشَّدِيدِ، وَإِلَى مَا لَا يَحِلُّ، أَيْ لَا تَحْزَنْ عَلَى كُفْرِهِمْ فَتُقَارِبُ حَالَ الْجَاهِلِينَ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ الْأُمَّةُ، فَإِنَّ قُلُوبَ المسلمين كانت تضيق من كفرهم وإذايتهم.

[سورة الأنعام (6): الآيات 36 الى 37]

إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أَيْ سَمَاعَ إِصْغَاءٍ وَتَفَهُّمٍ وَإِرَادَةِ الْحَقِّ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ مَا يَسْمَعُونَ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ، قَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدُ، وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ: (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) وَهُمُ الْكُفَّارُ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ، أَيْ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتَى فِي أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ وَلَا يَصْغُونَ إِلَى حُجَّةٍ. وَقِيلَ: الْمَوْتَى كُلُّ مَنْ مَاتَ." يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ" أَيْ لِلْحِسَابِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ بَعَثَهُمْ هِدَايَتَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ الْحَسَنِ: هُوَ بَعَثَهُمْ مِنْ شِرْكِهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِكَ يَا مُحَمَّدُ- يَعْنِي عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ- فِي حَالِ الْإِلْجَاءِ في الدنيا. قوله تعالى: (وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) قَالَ الْحَسَنُ: (لَوْلا) ها هنا بمعنى هلا، وقال الشاعر «1»:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيْبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ ... بَنِي ضَوْطَرَى لولا الكمي المقنعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015