تفسير القرطبي (صفحة 2512)

وَقِيلَ: الْمَعْنَى (يَنْهَوْنَ عَنْهُ) أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْقُرْآنِ (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ). عَنْ قَتَادَةَ، فَالْهَاءُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي (عَنْهُ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى قَوْلِ قَتَادَةَ لِلْقُرْآنِ. (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (إِنْ) نَافِيَةٌ أَيْ وَمَا يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بِإِصْرَارِهِمْ على الكفر، وحملهم أوزار الذين يصدونهم.

[سورة الأنعام (6): آية 27]

وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [أَيْ إِذْ] «1» وُقِفُوا غَدًا وَ (إِذْ) قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ (إِذَا) وَ (إِذَا) فِي مَوْضِعِ (إِذْ) وَمَا سَيَكُونُ فَكَأَنَّهُ كَانَ، لِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ وَصِدْقٌ، فَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْمَاضِي. وَمَعْنَى (إِذْ وُقِفُوا) حُبِسُوا يُقَالُ: وَقَفْتُهُ وَقْفًا فَوَقَفَ وُقُوفًا. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ (إِذْ وَقَفُوا) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْقَافِ مِنَ الْوُقُوفِ." عَلَى النَّارِ" أَيْ هُمْ فَوْقَهَا عَلَى الصِّرَاطِ وَهِيَ تَحْتَهُمْ. وَقِيلَ: (عَلَى) بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ وَقَفُوا بِقُرْبِهَا وَهُمْ يُعَايِنُونَهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: جَمَعُوا، يَعْنِي عَلَى أَبْوَابِهَا. وَيُقَالُ: وَقَفُوا عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ وَالنَّارُ تَحْتَهُمْ. وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُوقَفُونَ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا مَتْنُ إِهَالَةٍ «2»، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ خُذِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي. وَقِيلَ: (وُقِفُوا) دَخَلُوهَا- أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا- فَعَلَى بِمَعْنَى (فِي) أَيْ وُقِفُوا فِي النَّارِ. وَجَوَابٌ (لَوْ) مَحْذُوفٌ لِيَذْهَبَ الوهم إلى كل شي فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي التَّخْوِيفِ، وَالْمَعْنَى: لَوْ تَرَاهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَرَأَيْتَ أَسْوَأَ حَالٍ، أَوْ لَرَأَيْتَ مَنْظَرًا هَائِلًا، أَوْ لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَجَبًا وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا التَّقْدِيرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بِالرَّفْعِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ عَطْفًا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكِسَائِيِّ، وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِالضَّمِّ «3». ابْنُ عَامِرٍ عَلَى رَفْعِ (نُكَذِّبُ) وَنَصْبِ (وَنَكُونَ) وَكُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي، أَيْ لَا تَمَنَّوُا الرد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015