تفسير القرطبي (صفحة 2471)

بِأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ" وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ" لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلَكَ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ. وَقِيلَ:" وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ" لَكَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يرها إذا رجعنا إليهم.

[سورة المائدة (5): آية 114]

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا) الْأَصْلُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ يَا اللَّهُ، وَالْمِيمَانِ بَدَلٌ مِنْ" يَا"" رَبَّنا" نِدَاءٌ ثَانٍ، لَا يُجِيزُ سِيبَوَيْهِ غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِأَنَّهُ قَدْ أَشْبَهَ الْأَصْوَاتَ مِنْ أَجْلِ مَا لَحِقَهُ. (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً) الْمَائِدَةُ الْخِوَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ قَالَ قُطْرُبٌ: لَا تَكُونُ الْمَائِدَةُ مَائِدَةً حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهَا طَعَامٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيلَ: خِوَانٌ وَهِيَ فَاعِلَةٌ مِنْ مَادَ عَبْدُهُ إِذَا أَطْعَمَهُ وَأَعْطَاهُ، فَالْمَائِدَةُ تَمِيدُ مَا عَلَيْهَا أَيْ تُعْطِي وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ أَنْشَدَهُ الْأَخْفَشُ:

تُهْدِي رُءُوسَ الْمُتْرَفِينَ الْأَنْدَادَ ... إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُمْتَادِ

أَيِ الْمُسْتَعْطَى الْمَسْئُولِ فَالْمَائِدَةُ هِيَ الْمُطْعِمَةُ وَالْمُعْطِيَةُ الْآكِلِينَ الطَّعَامَ وَيُسَمَّى الطَّعَامُ أَيْضًا مَائِدَةً تَجَوُّزًا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ عَلَى الْمَائِدَةِ، كَقَوْلِهِمْ لِلْمَطَرِ سَمَاءٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: سُمِّيَتْ مَائِدَةٌ لِحَرَكَتِهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَادَ الشَّيْءُ إِذَا مَالَ وَتَحَرَّكَ «1» قَالَ الشَّاعِرُ:

لَعَلَّكَ بَاكٍ إِنْ تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ ... يَمِيدُ بِهَا غُصْنٌ مِنَ الْأَيْكِ مَائِلٌ

وَقَالَ آخَرُ:

وَأَقْلَقَنِي قَتْلُ الْكِنَانِيِّ بَعْدَهُ ... فَكَادَتْ بِيَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ تَمِيدُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" «2»] النحل: 15]. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَائِدَةٌ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مثل" عِيشَةٍ راضِيَةٍ" «3» [الحاقة: 21] بِمَعْنَى مَرْضِيَّةٍ وَ" ماءٍ دافِقٍ" «4»] الطَّارِقُ: 6] أَيْ مَدْفُوقٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَكُونُ لَنا عِيداً) " تَكُونُ" نعت لمائدة وليس بجواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015