تفسير القرطبي (صفحة 2466)

[سورة المائدة (5): آية 110]

إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (110)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ) هَذَا مِنْ صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: اذْكُرْ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وَإِذْ يَقُولُ اللَّهُ لِعِيسَى كَذَا، قَالَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَ" عِيسَى" يَجُوزُ أن يكون في موضع رفع على أن يَكُونَ" ابْنَ مَرْيَمَ" نِدَاءً ثَانِيًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ نِدَاءٌ مَنْصُوبٌ كَمَا قَالَ «1»:

يَا حَكَمُ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ

وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ فِي الثَّانِي إِذَا كان مضافا إلا عند الطوال «2». وقوله تَعَالَى:" اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ" إِنَّمَا ذَكَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا ذَاكِرًا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِيَتْلُوَ عَلَى الْأُمَمِ مَا خَصَّهُمَا بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَمَيَّزَهُمَا بِهِ مِنْ عُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ. الثَّانِي- لِيُؤَكِّدَ بِهِ حُجَّتَهُ، وَيَرُدَّ بِهِ جَاحِدَهُ. ثُمَّ أَخَذَ فِي تَعْدِيدِ «3» نِعَمِهِ فَقَالَ:" إِذْ أَيَّدْتُكَ" يَعْنِي قَوَّيْتُكَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَيْدِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «4». وفي" بِرُوحِ الْقُدُسِ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015