تفسير القرطبي (صفحة 2464)

فَصَحَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ" «1»] النور: 6]. وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: قَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ فَحَلَفَا." لَشَهادَتُنا أَحَقُّ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا اعْتَدَيْنا) أَيْ تَجَاوَزْنَا الْحَقَّ فِي قَسَمِنَا. (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أَيْ إِنْ كُنَّا حَلَفْنَا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَخَذْنَا مَا لَيْسَ لنا. السادسة والعشرون- قوله تعالى:" ذلِكَ أَدْنى " ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ." أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ." يَأْتُوا" نُصِبَ بِ"- أَنْ"." أَوْ يَخافُوا" عَطْفٌ عَلَيْهِ." أَنْ تُرَدَّ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ"- يَخافُوا"." أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ" قِيلَ: الضَّمِيرُ في" يَأْتُوا" و" يَخافُوا" رَاجِعٌ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَسَاقِ الْآيَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّاسُ، أَيْ أَحْرَى أَنْ يَحْذَرَ النَّاسُ الْخِيَانَةَ فَيَشْهَدُوا بِالْحَقِّ خَوْفَ الْفَضِيحَةِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا) أَمْرٌ، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ، أَيِ اسْمَعُوا مَا يُقَالُ لَكُمْ، قَابِلِينَ لَهُ، مُتَّبِعِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِ. (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) فَسَقَ يَفْسِقُ وَيَفْسُقُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «2»، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة المائدة (5): آية 109]

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ) يُقَالُ: مَا وَجْهُ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا؟ فَالْجَوَابُ- أَنَّهُ اتِّصَالُ الزَّجْرِ عَنِ الْإِظْهَارِ خِلَافَ الْإِبْطَانِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا ينبئ أن المجازي عليه عالم به. و" يَوْمَ" ظَرْفُ زَمَانٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ" وَاسْمَعُوا" أَيْ وَاسْمَعُوا خَبَرَ يَوْمٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَاتَّقُوا يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ، عَنِ الزَّجَّاجِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ اذْكُرُوا أَوِ احْذَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَالْمُرَادُ التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ. (فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ) أَيْ مَا الَّذِي أَجَابَتْكُمْ بِهِ أُمَمُكُمْ؟ وَمَا الَّذِي رَدَّ عَلَيْكُمْ قَوْمُكُمْ حِينَ دعوتموهم إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015