تفسير القرطبي (صفحة 2413)

وَشُرَيْحٌ. وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَمَادِي التَّحْرِيمِ فِي الْإِحْرَامِ، وَتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ فِي دين الإسلام. الثانية عشرة- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فِيهِ أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ،" فَجَزاءٌ مِثْلُ" بِرَفْعِ جَزَاءٌ وَتَنْوِينِهِ، وَ" مِثْلُ" عَلَى الصِّفَةِ، وَالْخَبَرِ مُضْمَرٌ، التَّقْدِيرُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مُمَاثِلٌ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ مِنَ النَّعَمِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ هُوَ الْجَزَاءَ بِعَيْنِهِ. وَ" جَزَاءُ" بِالرَّفْعِ غَيْرُ مُنَوَّنٍ وَ" مِثْلُ" بِالْإِضَافَةِ أَيْ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ، وَ" مِثْلُ" مُقْحَمَةٌ كَقَوْلِكَ أَنَا أُكْرِمُ مِثْلَكَ، وَأَنْتَ تَقْصِدُ أَنَا أُكْرِمُكَ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ" (?)] الانعام: 122] التَّقْدِيرُ كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَقَوْلُهُ" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (?)] الشورى: 11] أي ليس كهو شي (?). وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ غَيْرَ الْمِثْلِ، إِذِ الشَّيْءُ لَا يُضَافُ إِلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْمَقْتُولِ، لَا جَزَاءُ مِثْلِ الْمَقْتُولِ، وَالْإِضَافَةُ تُوجِبُ جَزَاءَ الْمِثْلِ لَا جَزَاءَ الْمَقْتُولِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ:" مِنَ النَّعَمِ" صِفَةٌ لِجَزَاءٍ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" مِنَ النَّعْمِ" بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ لُغَةٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ" فَجَزاءٌ" بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ" مِثْلَ" بِالنَّصْبِ، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ:" مِثْلَ" مَنْصُوبَةٌ بِنَفْسِ الْجَزَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنْ يُجْزَى مِثْلَ مَا قَتَلَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَعْمَشُ" فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ" بِإِظْهَارِ (هَاءٍ)، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الصَّيْدِ أَوْ عَلَى الصَّائِدِ الْقَاتِلِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- الْجَزَاءُ إِنَّمَا يَجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ لَا بِنَفْسِ أَخْذِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى. وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ): مَنْ اصْطَادَ طَائِرًا فَنَتَفَ رِيشَهُ ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى نَسَلَ رِيشَهُ فَطَارَ، قَالَ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ.] قَالَ [(?) وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ يَدَ صَيْدٍ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَعْضَائِهِ وَسَلِمَتْ نَفْسُهُ وَصَحَّ وَلَحِقَ بِالصَّيْدِ فلا شي عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَاءِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ. وَلَوْ ذَهَبَ وَلَمْ يَدْرِ مَا فَعَلَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَلَوْ زَمِنَ الصَّيْدُ وَلَمْ يَلْحَقِ الصيد، أو تركه محوفا (?) عليه

فعليه جزاؤه كاملا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015