يَعُمُّ الطَّرِيقَ كُلَّهَا، بَلْ إِنَّمَا جَرَتْ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا- هَذَا- مَعَ مَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ فَائِدَةِ شُهْرَةِ إِرَاقَتِهَا فِي طُرُقِ (?) الْمَدِينَةِ، لِيَشِيعَ الْعَمَلُ عَلَى مُقْتَضَى تَحْرِيمِهَا مِنْ إِتْلَافِهَا، وَأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَتَتَابَعَ النَّاسُ وَتَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: التَّنْجِيسُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا، فَكَمْ مِنْ مُحَرَّمٍ فِي الشَّرْعِ لَيْسَ بِنَجِسٍ، قُلْنَا: قَوْلُهُ تَعَالَى:" رِجْسٌ" يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهَا، فَإِنَّ الرِّجْسَ فِي اللِّسَانِ النَّجَاسَةُ، ثُمَّ لَوِ الْتَزَمْنَا أَلَّا نَحْكُمَ بِحُكْمٍ إِلَّا حَتَّى نَجِدَ فِيهِ نَصًّا لَتَعَطَّلَتِ الشَّرِيعَةُ، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا قَلِيلَةٌ، فَأَيُّ نَصٍّ يُوجَدُ عَلَى تَنْجِيسِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا هِيَ الظَّوَاهِرُ وَالْعُمُومَاتُ وَالْأَقْيِسَةُ. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ" الْحَجِّ" (?) مَا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ:" فَاجْتَنِبُوهُ" يَقْتَضِي الِاجْتِنَابَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ مَعَهُ بِشَيْءٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَا بِشُرْبٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا تَخْلِيلٍ وَلَا مُدَاوَاةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا [قَالَ: لَا، قَالَ: فَسَارَّ رَجُلًا (?) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] بِمَ سَارَرْتَهُ [قَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ:] إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا [، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا، فَهَذَا حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِذْ لَوْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ الْجَائِزَةِ لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ.] هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ [الْحَدِيثَ. الثَّامِنَةُ- أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالدَّمِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعَذِرَاتِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَلِذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ زِبْلِ الدَّوَابِّ، وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وهذا الحديث شاهد بصحة ذلك.