ذَلِكَ فِيهَا، أَمَا إِنَّهُ يَتَرَكَّبُ عَلَيْهَا فَرْعٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، وَاسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ الْأَوَّلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فِي قَلْبِهِ أَيْضًا مَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَرْفَعُ الْيَمِينَ لِمُدَّةٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ مَشِيئَةِ أَحَدٍ، وَلَمْ يُظْهِرْ شَيْئًا مِنِ الِاسْتِثْنَاءِ إِرْهَابًا عَلَى الْمَحْلُوفِ] لَهُ [(?)، فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينَانِ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ مَا لَمْ تَحْضُرْهُ الْبَيِّنَةُ (?)، فَإِنْ حَضَرَتْهُ بَيِّنَةٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ نَافِعًا لَهُ إِذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا. قُلْتُ: وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ الْآيَةَ الْأُولَى وَأَخْفَى الثَّانِيَةَ، فَكَذَلِكَ الْحَالِفُ إِذَا حَلَفَ إِرْهَابًا وَأَخْفَى الِاسْتِثْنَاءَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَكَانَ أَبُو الْفَضْلِ الْمَرَاغِيُّ (?) يَقْرَأُ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ (?)، وَكَانَتِ الْكُتُبُ تَأْتِي إِلَيْهِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيَضَعُهَا فِي صُنْدُوقٍ وَلَا يَقْرَأُ مِنْهَا وَاحِدًا مَخَافَةَ أَنْ يَطَّلِعَ فِيهَا عَلَى مَا يُزْعِجُهُ وَيُقْطَعُ بِهِ عَنْ طَلَبِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ وَقَضَى غَرَضًا مِنَ الطَّلَبِ وَعَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ، شَدَّ رَحْلَهُ وَأَبْرَزَ كُتُبَهُ وَأَخْرَجَ تِلْكَ الرَّسَائِلَ، فَقَرَأَ فِيهَا مَا لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا يَقْرَؤُهُ بَعْدَ وُصُولِهِ مَا تَمَكَّنَ بَعْدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ حَرْفٍ مِنَ الْعِلْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَرَحَّلَ عَلَى دَابَّةِ قُمَاشَهُ (?) وَخَرَجَ إِلَى بَابِ الْحَلَبَةِ طَرِيقِ خُرَاسَانَ، وَتَقَدَّمَهُ الْكَرِيُّ (?) بِالدَّابَّةِ وَأَقَامَ هُوَ عَلَى فَامِيٍّ (?) يَبْتَاعُ مِنْهُ سُفْرَتَهُ (?)، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَاوِلُ ذَلِكَ مَعَهُ إِذْ سَمِعَهُ يَقُولُ لِفَامِيٍّ آخَرَ: أَمَا سَمِعْتَ الْعَالِمَ يَقُولُ- يَعْنِي الْوَاعِظَ- إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، لَقَدِ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ بَالِي مُنْذُ سَمِعْتُهُ فَظَلَلْتُ فِيهِ مُتَفَكِّرًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ:" وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ" (?)] ص: 44] وَمَا الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ! فَلَمَّا سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ: بَلَدٌ يَكُونُ فِيهِ الْفَامِيُّونَ بِهَذَا الْحَظِّ مِنَ الْعِلْمِ وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى الْمَرَاغَةِ؟ لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا، وَاقْتَفَى أَثَرَ الْكَرِيِّ وَحَلَّلَهُ مِنَ الْكِرَاءِ وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ.