تفسير القرطبي (صفحة 226)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي وَصَاتِهِ لِرَجُلٍ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى الْمُلُوكِ:

ادْخُلْ إِذَا مَا دَخَلْتَ أَعْمَى ... وَاخْرُجْ إِذَا مَا خَرَجْتَ أَخْرَسَ

وَقَالَ قَتَادَةُ:" صُمٌّ" عَنِ اسْتِمَاعِ الْحَقِّ،" بُكْمٌ" عَنِ التَّكَلُّمِ بِهِ،" عُمْيٌ" عَنِ الْإِبْصَارِ لَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ فِي وَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلَاةَ آخِرِ الزَّمَانِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ (وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الْأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا). وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) أَيْ إِلَى الْحَقِّ لِسَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ. يُقَالُ: رَجَعَ بِنَفْسِهِ رُجُوعًا، وَرَجَعَهُ غَيْرُهُ، وَهُذَيْلٌ تَقُولُ: أَرْجَعَهُ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ «1» " [سبأ: 31] أَيْ يَتَلَاوَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَسَبَ مَا بَيَّنَهُ التنزيل في سورة" سبأ «2» ".

[سورة البقرة (?): آية 19]

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)

قَوْلُهُ تَعَالَى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قَالَ الطَّبَرِيُّ:" أَوْ" بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَأَنْشَدَ:

وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا «3»

وَقَالَ آخَرُ: «4»

نَالَ الْخِلَافَةَ «5» أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

أَيْ وَكَانَتْ. وَقِيلَ:" أَوْ" لِلتَّخْيِيرِ أَيْ مَثِّلُوهُمْ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، لَا عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَوْ كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ. وَالصَّيِّبُ: الْمَطَرُ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ صَابَ يَصُوبُ إِذَا نَزَلَ، قَالَ عَلْقَمَةُ:

فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمَّرٍ ... سَقَتْكِ رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تصوب «6»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015