تفسير القرطبي (صفحة 2249)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ فَحَثَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا. فَهَذَا مَا تَعَلَّقَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَالْأَصْلُ فِي" يَا وَيْلَتى " يَا وَيْلَتِي ثُمَّ أُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ عَلَى الْأَصْلِ بِالْيَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، لِأَنَّ حَذْفَ الْيَاءِ فِي النِّدَاءِ أَكْثَرُ. وَهِيَ كَلِمَةٌ تَدْعُو بِهَا الْعَرَبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ، قال سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ:" وَيْلٌ" بُعْدٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" أَعَجِزْتُ" بِكَسْرِ الْجِيمِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، إِنَّمَا يُقَالُ عَجِزَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا عَظُمَتْ عَجِيزَتُهَا، وَعَجَزْتُ عَنِ الشَّيْءِ عَجْزًا وَمَعْجِزَةً وَمَعْجَزَةً. والله أعلم.

[سورة المائدة (5): آية 32]

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) أَيْ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجَرِيرَتِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مِنْ جِنَايَتِهِ، يُقَالُ: أَجَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ شَرًّا يَأْجُلُ أجلا إذا جنى، مثل أخذ يأخذ أخذ. قَالَ الْخِنَّوْتُ «1»:

وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٍ كُنْتُ بَيْنَهُمْ ... قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهُ

أَيْ جَانِيهِ، وَقِيلَ: أَنَا جَارُّهُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

أَجَلْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَضَّلَكُمْ ... فَوْقَ مَنْ أَحْكَأَ «2» صُلْبًا بِإِزَارِ

وَأَصْلُهُ الْجَرُّ، وَمِنْهُ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُجَرُّ إِلَيْهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ. وَمِنْهُ الْآجِلُ نَقِيضُ الْعَاجِلِ، وَهُوَ بِمَعْنَى يُجَرُّ إِلَيْهِ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ. وَمِنْهُ أَجَلْ بِمَعْنَى نَعَمْ. لِأَنَّهُ انْقِيَادٌ إِلَى مَا جُرَّ إِلَيْهِ. وَمِنْهُ الْإِجْلُ «3» لِلْقَطِيعِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ، لِأَنَّ بَعْضَهُ يَنْجَرُّ إِلَى بَعْضٍ، قَالَهُ الرُّمَّانِيُّ. وَقَرَأَ يزيد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015