أَجْلِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ- أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِ اعْتِدَائِكَ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَأْثَمُ بِالِاعْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ- أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهِ أَثِمَ، فَرَأَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ فَإِثْمُهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ. فَصَارَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِكَ: الْمَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ، أَيِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، فَالْمَعْنَى أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِنَا. وَأَصْلُ بَاءَ رَجَعَ إِلَى الْمَبَاءَةِ، وهي المنزل." وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ"] البقرة: 61] أَيْ رَجَعُوا. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «1» مُسْتَوْفًى. وَقَالَ الشَّاعِرُ «2»:
أَلَا تَنْتَهِي عَنَّا مُلُوكٌ وَتَتَّقِي ... محارمنا لا يبؤ «3» الدَّمُ بِالدَّمِ
أَيْ لَا يَرْجِعُ الدَّمُ بِالدَّمِ فِي الْقَوَدِ. (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُكَلَّفِينَ قَدْ لَحِقَهُمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِ هَابِيلَ لِأَخِيهِ قَابِيلَ:" فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ" عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، لِأَنَّ لَفْظَ أَصْحَابِ النَّارِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْكُفَّارِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا مَرْدُودٌ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ. وَمَعْنَى" مِنْ أَصْحابِ النَّارِ" مُدَّةُ كَوْنِكَ فِيهَا. وَاللَّهُ أعلم.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ". أَيْ سَوَّلَتْ وَسَهَّلَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ وَشَجَّعَتْهُ وَصَوَّرَتْ لَهُ أَنَّ قَتْلَ أَخِيهِ طَوْعٌ سَهْلٌ] لَهُ [«4» يُقَالُ: طَاعَ الشَّيْءُ يُطَوِّعُ أَيْ سَهُلَ وَانْقَادَ. وَطَوَّعَهُ فُلَانٌ لَهُ أَيْ سَهَّلَهُ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: طَوَّعَتْ وَأَطَاعَتْ «5» وَاحِدٌ، يُقَالُ: طَاعَ لَهُ كَذَا إِذَا أَتَاهُ طَوْعًا. وَقِيلَ: طَاوَعَتْهُ نَفْسُهُ فِي قَتْلِ أَخِيهِ، فنزع الخافض فانتصب. وروي أنه