تفسير القرطبي (صفحة 223)

أَرَادَ مِثْلَ الطَّعْنِ، وَبِمِثْلِ ابْنِ الْمَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا، تَقْدِيرُهُ مَثَلُهُمْ مُسْتَقِرٌّ كَمَثَلِ، فَالْكَافُ عَلَى هَذَا حَرْفٌ. وَالْمَثَلُ وَالْمِثْلُ وَالْمَثِيلُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ الشَّبِيهُ. وَالْمُتَمَاثِلَانِ: الْمُتَشَابِهَانِ، هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. قَوْلُهُ" الَّذِي" يَقَعُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَأْتِي بِالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، كَمَا قَالَ:

وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفِلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ (?)

وَقِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى" وَالَّذِي (?) جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" [الزمر: 33]: إِنَّهُ بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:" مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي" قِيلَ: الْمَعْنَى كَمَثَلِ الَّذِينَ اسْتَوْقَدُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ:" ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ"، فَحَمَلَ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَآخِرَهُ عَلَى الْجَمْعِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى:" وَخُضْتُمْ كَالَّذِي (?) خاضُوا" [التوبة: 69] فَإِنَّ الَّذِي هَاهُنَا وَصْفٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَخُضْتُمْ كَالْخَوْضِ الَّذِي خَاضُوا. وَقِيلَ: إِنَّمَا وَحَّدَ" الَّذِي" وَ" اسْتَوْقَدَ" لِأَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ كَانَ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَةٍ تَوَلَّى الْإِيقَادَ لَهُمْ، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّوْءُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَقَالَ" بِنُورِهِمْ". وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ، مِثْلَ اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (?)

وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

أَيْ يُجِبْهُ. وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي جَوَابِ لَمَّا، وَفِي عَوْدِ الضَّمِيرِ مِنْ" نُورِهِمْ"، فَقِيلَ: جَوَابُ لَمَّا مَحْذُوفٌ وَهُوَ طَفِئَتْ، وَالضَّمِيرُ فِي" نُورِهِمْ" عَلَى هَذَا لِلْمُنَافِقِينَ، وَالْإِخْبَارُ بِهَذَا عَنْ حَالٍ تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ (?) " [الحديد: 13]. وَقِيلَ: جَوَابُهُ" ذَهَبَ"، وَالضَّمِيرُ فِي" نُورِهِمْ" عَائِدٌ عَلَى" الَّذِي"، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَتِمُّ تَمْثِيلُ الْمُنَافِقِ بِالْمُسْتَوْقِدِ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُسْتَوْقِدِ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُ كَبَقَاءِ الْمُنَافِقِ فِي حِيرَتِهِ وَتَرَدُّدِهِ. والمعنى المراد بالآية ضرب مثل للمنافقين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015