الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْجَوَارِحِ، إِذْ هُوَ جَمْعُ جَارِحَةٍ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطَيْنِ فِي التَّعْلِيمِ وَهُمَا: أَنْ يَأْتَمِرَ إِذَا أُمِرَ (?) وَيَنْزَجِرَ إِذَا زُجِرَ، لَا خِلَافَ فِي هَذَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فِي الْكِلَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ سِبَاعِ الْوُحُوشِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُصَادُ بِهِ مِنَ الطَّيْرِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَطٌ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَنْزَجِرَ إِذَا زُجِرَتْ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهَا غَالِبًا، فَيَكْفِي أَنَّهَا إِذَا أُمِرَتْ أَطَاعَتْ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: مَا أَجَابَ مِنْهَا إِذَا دُعِيَ فَهُوَ الْمُعَلَّمُ الضَّارِي، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيَوَانِ بِطَبْعِهِ يَنْشَلِي (?). وَقَدْ شَرَطَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي التَّعْلِيمِ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي إِذَا أَشْلَاهُ صَاحِبُهُ انْشَلَى، وَإِذَا دَعَاهُ إِلَى الرُّجُوعِ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَيُمْسِكُ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مِرَارًا وَقَالَ أَهْلُ الْعُرْفِ: صَارَ مُعَلَّمًا فَهُوَ الْمُعَلَّمُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَالْكُوفِيِّينَ: إِذَا أُشْلِيَ فَانْشَلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أُكِلَ صَيْدُهُ فِي الثَّالِثَةِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُؤْكَلُ صَيْدُهُ فِي الرَّابِعَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِذَا فَعَلَ] ذَلِكَ [(?) مَرَّةً فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَيُؤْكَلُ صَيْدُهُ فِي الثَّانِيَةِ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أَيْ حَبَسْنَ لَكُمْ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالنُّعْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: الْمَعْنَى وَلَمْ يَأْكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يُؤْكَلْ مَا بَقِيَ، لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُمْسِكْ عَلَى رَبِّهِ. وَالْفَهْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ كَالْكَلْبِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي الطُّيُورِ بَلْ يُؤْكَلُ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ. وَقَالَ سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عُمَرَ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضًا: الْمَعْنَى وَإِنْ أَكَلَ، فَإِذَا أَكَلَ الْجَارِحُ كَلْبًا كَانَ أَوْ فَهْدًا أَوْ طَيْرًا أُكِلَ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّيْدِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا بَضْعَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَدِيٍّ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ (وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أمسك على نفسه) أخرجه مسلم. الثاني-