وَمَكْحُولٌ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَفِيهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَفِيهِ (وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذٌ) الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) الْمُتَرَدِّيَةُ هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى السُّفْلِ فَتَمُوتُ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، وَهِيَ مُتَفَعِّلَةٌ مِنَ الرَّدَى وَهُوَ الْهَلَاكُ، وَسَوَاءٌ تَرَدَّتْ بِنَفْسِهَا أَوْ رَدَّاهَا غَيْرُهَا. وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ إِلَى الْأَرْضِ حَرُمَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ بِالصَّدْمَةِ وَالتَّرَدِّي لَا بِالسَّهْمِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَأْكُلُ الْمُتَرَدِّيَ وَلَمْ تَكُنْ تَعْتَقِدُ مَيْتَةً إِلَّا مَا مَاتَ بِالْوَجَعِ وَنَحْوِهِ دُونَ سَبَبٍ يُعْرَفُ، فَأَمَّا هَذِهِ الْأَسْبَابُ فَكَانَتْ عِنْدَهَا كَالذَّكَاةِ، فَحَصَرَ الشَّرْعُ الذَّكَاةَ فِي صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهَا، وَبَقِيَتْ هَذِهِ كُلُّهَا مَيْتَةً، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ النَّطِيحَةُ وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ الَّتِي فَاتَ نَفَسُهَا بِالنَّطْحِ وَالْأَكْلِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّطِيحَةُ) النَّطِيحَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ، وَهِيَ الشَّاةُ تَنْطَحُهَا أُخْرَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَتَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تُذَكَّى. وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ النَّطِيحَةَ بِمَعْنَى النَّاطِحَةِ، لِأَنَّ الشَّاتَيْنِ قَدْ تَتَنَاطَحَانِ فَتَمُوتَانِ. وَقِيلَ: نَطِيحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ نَطِيحٌ، وَحَقُّ فَعِيلٍ لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْهَاءُ كَمَا يُقَالُ: كَفٌّ خَضِيبٌ وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ، لَكِنْ ذَكَرَ الْهَاءَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْهَاءَ إِنَّمَا تُحْذَفُ مِنَ الْفَعِيلَةِ إِذَا كَانَتْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَنْطُوقٍ بِهِ، يُقَالُ: شَاةٌ نَطِيحٌ وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ، فَإِنْ لَمْ تَذْكُرِ الْمَوْصُوفَ أَثْبَتَّ الْهَاءَ فَتَقُولُ: رَأَيْتُ قَتِيلَةَ بَنِي فُلَانٍ وَهَذِهِ نَطِيحَةُ الْغَنَمِ، لِأَنَّكَ لَوْ لَمْ تَذْكُرِ الْهَاءَ فَقُلْتَ: رَأَيْتُ قَتِيلَ بَنِي فُلَانٍ لَمْ يُعْرَفْ أَرَجُلٌ هُوَ أَمِ امْرَأَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو مَيْسَرَةَ" وَالْمَنْطُوحَةُ". السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) يُرِيدُ كُلَّ مَا افْتَرَسَهُ ذُو نَابٍ وَأَظْفَارٍ مِنَ الْحَيَوَانِ، كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ وَالضَّبْعِ وَنَحْوِهَا، هَذِهِ كُلُّهَا سِبَاعٌ. يُقَالُ: سَبَعَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ عَضَّهُ بِسِنِّهِ، وَسَبَعَهُ أَيْ عَابَهُ وَوَقَعَ فِيهِ. وَفِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ، أَيْ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ