يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (?)
فِيهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ) خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، أَيْ لَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ. وَالشَّعَائِرُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَالُ لِلْوَاحِدَةِ شِعَارَةٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ. وَالشَّعِيرَةُ الْبَدَنَةُ تُهْدَى، وَإِشْعَارُهَا أَنْ يُجَزَّ سَنَامُهَا حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا هَدْيٌ. وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ مِنْ طَرِيقِ الْإِحْسَاسِ، يُقَالُ: أَشْعَرَ هَدْيَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ أَنَّهُ هَدْيٌ، وَمِنْهُ الْمَشَاعِرُ الْمَعَالِمُ، وَاحِدُهَا مَشْعَرٌ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي قَدْ أُشْعِرَتْ بِالْعَلَامَاتِ. وَمِنْهُ الشِّعْرُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِحَيْثُ يَقَعُ الشُّعُورُ، وَمِنْهُ الشَّاعِرُ، لِأَنَّهُ يَشْعُرُ بِفِطْنَتِهِ لِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهُ الشَّعِيرُ لِشَعْرَتِهِ الَّتِي فِي رَأْسِهِ، فَالشَّعَائِرُ عَلَى قَوْلٍ مَا أُشْعِرَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ لِتُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَعَلَى قَوْلٍ جَمِيعُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَالْهَدْيُ وَالْبُدْنُ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الشَّعَائِرِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ «1»:
نُقَتِّلُهُمْ جِيلًا فَجِيلًا تَرَاهُمُ ... شَعَائِرَ قُرْبَانٍ بِهَا يُتَقَرَّبُ
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَيُهْدُونَ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ". وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: شَعَائِرُ اللَّهِ جَمِيعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: دِينُ اللَّهِ كُلُّهُ، كَقَوْلِهِ:" ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" «2»] الحج: 32] أي دين الله.