بِهَا، فَادْعُ النَّاسَ إِلَى نِحْلَتِكَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَذْبَحَ فَذَبَحَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ ثَالِثِهِ دَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ النَّاسَ إِلَى نِحْلَتِهِ، فَتَبِعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً، فَاقْتَتَلُوا وَاخْتَلَفُوا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَجَمِيعُ النَّصَارَى مِنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ، فَهَذَا كَانَ سَبَبَ شِرْكِهِمْ فِيمَا يُقَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَيْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ" [المائدة: 14] (?) وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) " خَيْراً" مَنْصُوبٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: ائْتُوا خَيْرًا لَكُمْ، لِأَنَّهُ إِذَا نَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِإِتْيَانِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِمَّا يَنْتَصِبُ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إِظْهَارُهُ" انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ" لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: ائْتِهِ فَأَنْتَ تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْرٍ وَتُدْخِلُهُ فِي آخَرَ، وَأَنْشَدَ:
فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتَيْ (?) مَالِكٍ ... أَوِ الرُّبَا بَيْنَهُمَا أَسْهَلَا
وَمَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدَةَ: انْتَهُوا يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ يُضْمِرُ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ (?)، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمَذْهَبُ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى: انْتَهُوا الِانْتِهَاءَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ) هذا ابتداء وخبر، و" واحِدٌ" نَعْتٌ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" إِلهٌ" بَدَلًا من اسم الله عز وجل و" واحِدٌ" خَبَرُهُ، التَّقْدِيرُ إِنَّمَا الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ. (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أَيْ تَنْزِيهًا (?) عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَلَمَّا سَقَطَ" عَنْ" كَانَ" أَنْ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ؟ وَوَلَدُ الرَّجُلِ مُشْبِهٌ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فَلَا شَرِيكَ لَهُ، وَعِيسَى] وَمَرْيَمُ [(?) مِنْ جُمْلَةِ مَا في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مَخْلُوقٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِيسَى إِلَهًا وَهُوَ مَخْلُوقٌ! وَإِنْ جَازَ وَلَدٌ فَلْيَجُزْ أَوْلَادٌ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مُعْجِزَةٌ وَلَدًا لَهُ. (وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي لأوليائه، وقد تقدم.