تفسير القرطبي (صفحة 2081)

وَقَرَأَ أَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ (أَنْ يُصْلِحا). وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ (أَنْ يَصَّلِحَا) وَالْمَعْنَى يَصْطَلِحَا ثُمَّ أُدْغِمَ. الثَّانِيةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْفِقْهِ الرَّدُّ عَلَى الرُّعْنِ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَخَذَ شَبَابَ الْمَرْأَةِ وَأَسَنَّتْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَدَّلَ بِهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: إِنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ لَمَّا أَسَنَّتْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَآثَرَتِ الْكَوْنَ مَعَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي (?) لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَتْ وَهِيَ مِنْ أَزْوَاجِهِ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، رَوَى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ، فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ أَهْمَلَهَا حَتَّى إِذَا كَانَتْ تَحِلُّ رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: [مَا شِئْتِ (?) [إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأَثَرَةِ، وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ. قَالَتْ: بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ. فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ. رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَزَادَ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: (فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا) يُرِيدُ فِي الْمَيْلِ بِنَفْسِهِ إِلَيْهَا وَالنَّشَاطِ لَهَا، لَا أَنَّهُ آثَرَهَا عَلَيْهَا فِي مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَبِيتٍ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِ رَافِعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حرب عن خالد ابن عَرْعَرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ فَقْرِهَا أَوْ كِبَرِهَا أَوْ سُوءِ خُلُقِهَا وَتَكْرَهُ فِرَاقَهُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ] أَنْ يَأْخُذَ (?) [وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَلَا حَرَجَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُصَهَا مِنْ حَقِّهَا إِذَا تَزَوَّجَ مَنْ هِيَ أَشَبُّ مِنْهَا وَأَعْجَبُ إِلَيْهِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فَيَقُولُ لِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015