تفسير القرطبي (صفحة 2079)

[سورة النساء (?): آية 126]

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أَيْ مِلْكًا وَاخْتِرَاعًا. وَالْمَعْنَى إِنَّهُ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا بِحُسْنِ طَاعَتِهِ لَا لِحَاجَتِهِ إِلَى مُخَالَّتِهِ وَلَا لِلتَّكْثِيرِ بِهِ وَالِاعْتِضَادِ، وَكَيْفَ وَلَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ؟ وَإِنَّمَا أَكْرَمَهُ لِامْتِثَالِهِ لِأَمْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) أي أحاط علمه بكل الأشياء.

[سورة النساء (?): آية 127]

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127)

نَزَلَتْ بِسَبَبِ سُؤَالِ قَوْمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَمْرِ النِّسَاءِ وَأَحْكَامِهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَقُولَ [لَهُمُ «1»]: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، أَيْ يُبَيِّنُ لَكُمْ حُكْمَ مَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ رُجُوعٌ إِلَى مَا افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَتْ لَهُمْ أَحْكَامٌ لَمْ يَعْرِفُوهَا فَسَأَلُوا فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ. رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ فَلَا يُجِيبُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ). (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) «2». و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) «3». (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) «4». قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) (مَا) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَطْفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى: وَالْقُرْآنُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَهُوَ قوله: (فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ «5». وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) أَيْ وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، ثُمَّ حُذِفَتْ (عَنْ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015