بَاطِنٌ مَكْرُوهٌ أَوْ مَجْهُولٌ. وَالشَّيْطَانُ غَرُورٌ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى مَحَابِّ النَّفْسِ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَا يَسُوءُ. (أُولئِكَ) ابْتِدَاءٌ (مَأْواهُمْ) ابْتِدَاءٌ ثَانٍ (جَهَنَّمُ) خبر الثاني والجملة خبر الأول. و (مَحِيصاً) مَلْجَأً، وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَاصَ يَحِيصُ. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. (قِيلًا) عَلَى الْبَيَانِ، قَالَ قِيلًا وَقَوْلًا وَقَالًا، بِمَعْنَى [أَيْ «1»] لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيُ مِنَ المعاني والحمد لله.
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ). قرأ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أهل الكتاب) بتخفيف الياء فيها جَمِيعًا. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَّا. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَيْسَ نُبْعَثُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ). وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: تَفَاخَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ). السوء ها هنا الشِّرْكُ، قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْكَافِرِ، وَقَرَأَ (وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ «2»). وَعَنْهُ أَيْضًا (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قَالَ: ذَلِكَ لمن أراد الله هو انه، فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ فَلَا، قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمًا فَقَالَ: (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ). وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَكُفَّارَ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَفْظُ الْآيَةِ عَامٌّ، وَالْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ مُجَازًى بِعَمَلِهِ السُّوءِ، فَأَمَّا مُجَازَاةُ الْكَافِرِ فالنار، لان كفره أو بقه، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَبِنَكَبَاتِ الدُّنْيَا، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ