تفسير القرطبي (صفحة 2059)

سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَرِّئَ ابْنَ أُبَيْرِقٍ مِنَ التُّهَمَةِ وَيُلْحِقُهَا الْيَهُودِيُّ، فَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ نَبَّهَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)

لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الضَّالِّينَ، فَوَبَالُهُ [لَهُمْ «1»] رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ. (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ)

لِأَنَّكَ مَعْصُومٌ. (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)

هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ. وَقِيلَ: الْوَاوُ لِلْحَالِ، كَقَوْلِكَ: جِئْتُكَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا

فَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ، أَيْ مَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شي مَعَ إِنْزَالِ اللَّهِ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ. (وَالْحِكْمَةَ)

الْقَضَاءُ بِالْوَحْيِ. (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)

يَعْنِي من الشرائع والأحكام. و (تَعْلَمُ)

فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ. وَحُذِفَتِ الضَّمَّةُ مِنَ النُّونِ لِلْجَزْمِ، وَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ الساكنين.

[سورة النساء (4): آية 114]

لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)

أَرَادَ مَا تَفَاوَضَ بِهِ قَوْمُ بَنِي أُبَيْرِقٍ مِنَ التَّدْبِيرِ، وَذَكَرُوهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالنَّجْوَى: السربين الِاثْنَيْنِ، تَقُولُ: نَاجَيْتُ فُلَانًا مُنَاجَاةً وَنِجَاءً وَهُمْ يَنْتَجُونَ وَيَتَنَاجَوْنَ. وَنَجَوْتُ فُلَانًا أَنْجُوهُ نَجْوًا، أَيْ نَاجَيْتُهُ، فَنَجْوَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ نَجَوْتُ الشَّيْءَ أَنْجُوهُ، أَيْ خَلَّصْتُهُ وَأَفْرَدْتُهُ، وَالنَّجْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعُ لِانْفِرَادِهِ بِارْتِفَاعِهِ عَمَّا حَوْلَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَنْ بنجوته كمن بعقوته ... والمستكن كَمَنْ يَمْشِي بِقِرْوَاحِ «2»

فَالنَّجْوَى الْمُسَارَّةُ، مَصْدَرٌ، وَقَدْ تُسَمَّى بِهِ الْجَمَاعَةُ، كَمَا يُقَالُ: قَوْمٌ عَدْلٌ وَرِضًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذْ هُمْ نَجْوى «3»)، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْأَمْرُ أَمْرُ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ غير الجنس، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015