قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَرَضَ اللَّهُ التَّوْبَةَ عَلَى بَنِي أُبَيْرِقٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ، أَيْ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً)
بِأَنْ يَسْرِقَ (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)
بِأَنْ يُشْرِكَ (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ)
يَعْنِي بِالتَّوْبَةِ، فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي (آلِ عِمْرَانَ) «1». وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَقَتَلَ حَمْزَةَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إِنِّي لَنَادِمٌ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَ: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)
الْآيَةَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْعُمُومُ وَالشُّمُولُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ) ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)
. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً). وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ، وَإِذَا سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ حَلَّفْتُهُ «2»، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً)
أَيْ ذَنْبًا (فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ)
أَيْ عَاقِبَتُهُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ. وَالْكَسْبُ مَا يجربه الْإِنْسَانُ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ بِهِ ضَرَرًا، وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى فِعْلُ الرَّبِّ تَعَالَى كَسْبًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)
قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كُرِّرَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ تَأْكِيدًا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا فَرْقُ بَيْنَ الْخَطِيئَةِ وَالْإِثْمِ أَنَّ الْخَطِيئَةَ تَكُونُ عَنْ عمد وعن غير